بعد نحو 75 عاما من تهجير العصابات الصهيونية للفلسطينية رضا محيسن مع عائلتها من مدينة بئر السبع بالضفة الغربية وإجبارها على العيش نازحة في قطاع غزة المحاصر، عادت قوات الاحتلال مجددا لتهجيرها داخل القطاع نفسه، وهو الأمر نفسه الذي يعيشه كثيرون في مختلف مناطق فلسطين المحتلة.
وفي تقرير أعدّه محمد خيري، تقول المرأة المسنّة -التي تعيش حاليا في مخيم بدير البلح وسط غزة- إنها شهدت كثيرا من النكبات، وإنها صامدة على قلة السكن والطعام والشراب، وإن حياتها مُرَُة، وتساءلت “كيف للإنسان أن يقضي حياته كلها في الخيام”.
الحاجة زينب ليست وحدها التي تعيش هذه المأساة التي صنعها ويواصل صنعها الاحتلال الإسرائيلي الذي يتعقب الفلسطينيين أنَّى ذهبوا أملا في تهجيرهم من بلادهم إلى الأبد.
تهجير متزايد بالضفة
ففي الضفة المحتلة، لا يزال الحاج محمد عبد القادر يتذكر المنازل التي تحولت إلى أنقاض في قرية قانون في مخيم جنين، والتي هُجّر أهلها قسرا قبل عقود، بينما تقول زوجته إنهم هجّروا مرتين في السابق، قبل أن يجبروا على الرحيل مرة ثالثة تحت مظلة الحرب الحالية.
وكانت قانون إحدى القرى الفلسطينية التي شهدت معارك ضارية بين سكانها والعصابات الصهيونية خلال النكبة، ولم ينس الاحتلال ما تكبده من خسائر فيها، فاستغل الحرب الحالية على غزة لينكل بأهلها ويلاحق الذين هُجروا منها ويذيقهم مرارة النكبة مرتين.
ويقول الحاج محمد عبد القادر إن الفلسطينيين ذاقوا حسرة لم يذقها شعب آخر، مضيفا “عشت النكبة وأنا صغير عمري 9 سنوات، وهناك أشياء لا أنساها طيلة حياتي..”.
ويضيف عبد القادر “الآن لحق بنا اليهود في مخيم طولكرم وهدموا داري وأنا بداخلها.. هذا شيء لا يطاق ولا أحد يمكنه تحمله”.
واستغلت إسرائيل الحرب على غزة لهدم أكثر من 570 منزلا وتجريف الطرقات واستحداث قرابة 700 حاجز عسكري بالضفة، كما دهم المستوطنون قرًى وتجمعات بدوية وهجروا أهلها وشردوا أكثر من 12 ألف فلسطيني خلال الشهور الماضية.
وهدمت سلطات الاحتلال أيضا عشرات المنازل في المدن الفلسطينية داخل الخط الأخضر، وما زالت تهدد بهدم آلاف أخرى، بينما يهدد المستوطنون المتطرفون السكان الفلسطينيين بالقتل كما يقول أحد من تم طردهم.
تكرار النكبة
وفي وادي السيق، كرر المستوطنون مشهد النكبة الذي وقع قبل أكثر من 70 عاما، حيث اقتحموا القرية وهجروا سكانها قسرا وطردوهم إلى الجبال، وأعادوا إلى الأذهان ما حل بأكثر من 500 قرية فلسطينية عام 1948.
ويقول أبو بشار، وهو من سكان وادي السيق الذين هجّروا مؤخرا، إنه عاش نفس المشهد الذي عاشه أبوه وجده عندما كان صغيرا، مؤكدا أن جيش وشرطة الاحتلال اعتدوا عليهم بالضرب وسحبوا هوياتهم وهواتفهم وأخرجوهم من القرية تحت أزيز الرصاص.
ويضيف “لقد حكي لي أبي وجدي ما عاشوه عام 1948 ثم عشته أنا بنفسي كما هو”.
وحاليا، يصف كثير من الفلسطينيين ما يعيشونه منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأنه استمرار للنكبة حيث القتل والتدمير والترويع وتهجيرهم من أراضيهم، تنفيذا لسياسة لا يزال جيش الاحتلال والمستوطنون يتبعونها منذ 7 عقود، ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا.
ومع ذلك، أصر سليمان فحماوي على اصطحاب حفيدته لتعريفها ببلدها، ويطلب منها العودة إليها إذا لم يتمكن هو من فعل ذلك.
فقد هُجّرت عائلة فحماوي من قرية أم الزينات إبان النكبة، وولد هو لعائلة لاجئة بقرية مجاورة، ثم هُجّر مرة ثانية ثم ثالثة، ولا يزال حتى اليوم يعيش ما حدّثه عنه والده من حكايا اللاجئين.
ويقول فحماوي للجزيرة إنه زار أم الفحم وأقام فيها رغم قوانين التنظيم والهدم التي تلاحقهم، مضيفا “مع كل هذه الصعوبات وكل هذا الألم والتعب نحن متمسكون ببلدنا هذه، أم الزينات، ولابد أن نرجع إليها”.