قال المدير التنفيذي لمؤسسة “العمل من أجل الإنسانية” البريطانية عثمان مقبل إن تفاعل المجتمع البريطاني مع القضية الفلسطينية كان كبيرا جدا، وانعكس ذلك في حجم المظاهرات التي خرجت في عموم البلاد تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وأضاف -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن عدد البريطانيين غير المسلمين الذين شاركوا في هذه المظاهرات كان بين 80 و90% من المشاركين، وأن 76% من البريطانيين يؤيدون القضية الفلسطينية، مما شكل ضغطا سياسيا على مسؤولي الأحزاب ونسب التصويت بالبرلمان.
كما أكد أن العقبة الأساسية أمام المساعدات الإغاثية لهذا القطاع المحاصر تتمثل في فتح المعابر وإدخال الإمدادات، وليس في حجم الأموال أو توفر البضائع لأنها مكدسة خارج القطاع ولا يُسمح بدخولها.
وإلى تفاصيل التصريحات..
-
ما حجم العمل الخيري في بريطانيا؟
ثقافة العمل الخيري متجذرة في المجتمع البريطاني منذ مئات السنين، حيث توجد نحو 170 ألف مؤسسة خيرية، منها نحو 3 آلاف مؤسسة إسلامية، وحجم أموال العمل الخيري بشكل عام نحو 45 مليار جنيه إسترليني. وهذه المؤسسات تعمل على تغطية العجز في الميزانية الحكومية وتلبية الاحتياجات في بريطانيا وحول العالم.
وبريطانيا لديها نظام ذكي جدا في ما يتعلق بنظام الضرائب، حيث يتم توجيه هذه الأموال للعمل الخيري مباشرة بدلا من أن تذهب لسد العجز في الميزانية الحكومية، فالتبرعات للمؤسسات الخيرية لا تخصم من حسابات دافعيها، فهي حق للدولة، والتي بدورها توجهها كلها إلى العمل الخيري.
-
هل القوانين في بريطانيا تشجع على العمل الخيري؟
لدي تجربة تمتد 25 عاما في العمل الخيري، وأقول بكل ثقة إن بريطانيا تعد من الدول المتقدمة جدا في ما يتعلق بالعمل الخيري، وقوانينه فيها من العدالة والمساواة ما يشجع على ازدهار هذا المجال، وحرية إنشاء المؤسسات الخيرية مفتوحة للجميع.
والأمر هنا منوط بالالتزام بالقوانين المعمول بها في البلاد، مثل أي عمل آخر، فالعمل الخيري له قوانينه الخاصة التي يجب على من يعمل في هذا المجال أن يلتزم بها، ولا يخرج عن هذه الأطر. ولا شك أن قوانين “الإرهاب” والقوانين المتعلقة بتحويل الأموال تؤثر أحيانا في نمو هذا القطاع.
-
ما مصادر التمويل التي تعتمدون عليها؟
نحن نعتمد في تمويلنا على جانبين:
- الأول محلي، ويأتي من المجتمع، وهو عبارة عن تبرعات مباشرة من خلال الأنشطة والفعاليات التي نقوم بها، وهذه التبرعات تأتي من مسلمين -وهي الأغلبية- أو من غيرهم. وهناك أيضا الدولة نفسها التي تمنح المؤسسات الخيرية أموالا مباشرة بدل أن تستقطعها في صورة ضرائب.
- الجانب الثاني يعتمد على الشراكات التي نقيمها مع مؤسسات أخرى.
فمثلا نحن نعمل الآن في غزة على الأرض، ولدينا فريقنا الخاص الذي يقوم بدوره حتى اليوم هناك، ولكن هناك بعض المؤسسات الخيرية التي تريد دعم القطاع بمساعدات إغاثية ولكنها لا تستطيع الوصول إلى هناك، فنحن نقوم بهذا الدور بدلا عنها، ولدينا شراكات حاليا مع العديد من المؤسسات.
-
بمناسبة الحديث عن غزة.. ما حجم التفاعل بالمجتمع البريطاني مع العدوان عليها؟
جاء تفاعل الجماهير في بريطانيا -مسلمين وغير مسلمين- مع القضية الفلسطينية كبيرا جدا، وانعكس على المسيرات التي شهدناها في المدن البريطانية عامة منذ الأسبوع الأول للحرب على غزة، فعدد المسلمين في هذه المدن قد يكون بنسبة 10 إلى 15%، بينما يفوق عدد غير المسلمين ما بين 80 و90% أحيانا.
وهذا يعكس حجم التأييد للقضية الفلسطينية و(إدراك) للظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون. ونحن نقدر مشاركة هؤلاء معنا بحبهم للعدالة والسلام، خاصة في المنطقة العربية وفي قضية فلسطين تحديدا.
وقد أظهر استفتاء أجرته مؤسسة لسبر الآراء أن 76% من البريطانيين يؤيدون القضية الفلسطينية، ويرون أن ما يحدث في هذه الحرب ظلم كبير يتعرض له الشعب الفلسطيني.
-
وهل انعكس هذا التأييد على حجم المساعدات التي تتلقاها المؤسسات الإسلامية؟
لا شك أن هذا التأييد انعكس على حجم التبرعات، وأعتقد أن هناك حجم تبرعات لا بأس به من غير المسلمين من الأفراد، حيث تعمل العديد من المؤسسات غير الإسلامية أيضا لصالح فلسطين وتتلقى مساعدات كبيرة من غير المسلمين. وفي ظني أنها تلقت أيضا مساعدات كبيرة لفلسطين.
كما انعكس أيضا في مواقف السياسيين الفترة الأخيرة، بسبب ضغط هذه الجماهير وتأثيرها في الانتخابات القادمة، مما أدى إلى تغيير الآراء السياسية لبعضهم، وكان هذا ظاهرا في التصويت داخل البرلمان على وقف إطلاق النار في غزة.
-
هل هناك معوقات أمام وصول هذه المساعدات إلى غزة؟
أهم معوق الآن هو كيفية إدخال الإمدادات الإغاثية إلى قطاع غزة، خاصة من معبر رفح، فكثير من المؤسسات البريطانية وغيرها لديها مساعدات مكدسة خارج القطاع ولا يمكنها الدخول، وما دخل خلال فترة الهدنة الأخيرة كان للأمم المتحدة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والهلال الأحمر الفلسطيني.
أما مؤسستنا وبحكم وجودنا على الأرض في غزة منذ زمن طويل، فنحن نعتمد على ما هو متوفر في السوق المحلي، مما يسهل علينا قدرة إيصال المساعدات إلى سكان القطاع، وهذا السوق تأتيه البضائع -في الأغلب- من الضفة الغربية والقدس، وهذه المناطق الآن مغلقة، وما هو موجود في القطاع بالفعل ربما لا يكفي إلا يومين أو ثلاثة.
-
ما خططكم للعمل الإنساني بقطاع غزة بعد قتل الآلاف وتدمير البنى التحتية وطول الحصار؟
نحن نخطط للعمل في القطاع على مسألتين:
- الأولى آنية، وفيها يجب أولا إيقاف إطلاق النار بشكل نهائي من أجل تقديم الإغاثة العاجلة المطلوبة، من حيث الطعام والماء النظيف والأدوات الطبية والوقود، حتى يتمكن السكان من الاستمرار في الحياة.
كما لا بد من إنهاء الحصار وفتح المعابر بلا قيد أو شرط، فقطاع غزة قبل الحرب كان تدخله نحو 500 شاحنة يوميا، وفي وقت الهدنة لم تدخله إلا 50 شاحنة يوميا فقط، وطبعا أيام الحرب لا يدخلها شيء، ولك أن تتصور حجم المعاناة التي يعيشها القطاع مع هذا الواقع.
- المسألة الثانية مستقبلية، فغزة بعد هذا العدوان تحتاج إلى إعادة إعمار، ومشاريعنا في الأساس بالقطاع كانت إستراتيجية طويلة الأمد، تتمثل في إعادة إعمار المدارس ومد المزارعين بآبار المياه أو مشاريع تحلية مياه الشرب. وكل هذه المشاريع سنعود إليها عندما تكون الفرصة متاحة عقب وقف إطلاق النار.