القدس المحتلة – حذر علماء الأوبئة من مجاعة شديدة وأوبئة تفتك بالغزيين وآلاف من الجرحى من دون علاجات قد يفقدون حياتهم بعد دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يومها الـ175، والحصار المحكم الذي تفرضه سلطات جيش الاحتلال على القطاع ومنعها دخول المساعدات الإنسانية.
ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، دخلت خلال شهر يناير/كانون الثاني نحو 100 شاحنة مساعدات إلى جنوب قطاع غزة يوميا، في حين أن التعامل مع أزمة الجوع يتطلب نحو 500 شاحنة غذاء يوميا. ومع نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، انخفض عدد الشاحنات إلى 66 يوميا.
وفي الأشهر الأخيرة، رفضت إسرائيل إدخال المواد الغذائية إلى شمال قطاع غزة عبر معبر بيت حانون (إيرز)، كما تمنع منظمات الإغاثة من نقل المواد الغذائية الإسرائيلية من أي نوع إلى غزة حتى حليب الأطفال.
أوبئة وجوع
وحيال تفاقم الأزمة الإنسانية وانتشار المجاعة، قدر كبار علماء الأوبئة في تقرير لصحيفة “هآرتس” أنه إذا استمرت الأزمة الإنسانية في غزة فإن عدد القتلى جراء الأوبئة والمجاعة سيبلغ 100 ألف فلسطيني خلال أشهر الصيف، وإذا ما تفاقمت الأزمة فمن المتوقع أن يكون هناك أكثر من 120 ألف ضحية.
وحذر أستاذ علم الأوبئة والصحة الدولية في كلية لندن لحفظ الصحة فرانسيسكو سيتشي من مغبة تفاقم الأزمة الإنسانية وانتشار المجاعة في قطاع غزة، قائلا “لقد قمت بإجراء أبحاث حول الأزمات الإنسانية منذ 20 عاما، ولم أر مثل هذه المعدلات من الجوع حتى في الصومال التي عملت بها”.
وقال سيتشي لصحيفة هآرتس إن “الأمر الأكثر إثارة للقلق الآن هو الجوع، إذا ظلت كمية الغذاء التي تدخل قطاع غزة كما هي، ولم ترتفع فعليا في الأيام المقبلة، فسوف نصل إلى مستويات كارثية من الجوع”.
وبحسب أستاذ علم الأوبئة والصحة الدولية، فإن كمية السعرات الحرارية للشخص الواحد في قطاع غزة في الوقت الحالي أقل من الحد الأدنى الذي كان في أسوأ أيام المجاعة الصومالية.
وأكد أن على العالم أن يفهم ويعي جديا أن “كمية المساعدات الإنسانية والغذاء التي تدخل غزة حاليا لا تكفي لبقاء الإنسان على قيد الحياة. وتظهر بياناتنا ذلك، وقد تم بالفعل تسجيل أولى حالات الوفاة بسبب الجوع ميدانيا أيضا”.
تعاون وأبحاث
تعاون سيتشي في الأسابيع الأخيرة مع مدير مركز جونز هوبكنز للصحة الإنسانية الدكتور بول شبيغل، وهما يرأسان معا مجموعة من علماء الأوبئة الذين يسعون إلى تسليط الضوء على الوفيات الزائدة في قطاع غزة.
ووفق نموذج معقد أعدته المجموعة، فحتى لو انتهت الحرب غدا وحصل سكان قطاع غزة على كامل المساعدات الإنسانية المطلوبة، من المتوقع أن يموت 6500 شخص بسبب الإصابات والأمراض المعدية والجوع.
وبالإضافة إلى الإحصاءات المرحلية التي تشير إلى أن أكثر من 32 ألفا و500 شخص استشهدوا بالفعل ونحو 5 آلاف مفقود مدفونين تحت الأنقاض، يبدو أن الحرب لن تنتهي بأقل من 44 ألف ضحية.
سيناريوهات وتقديرات
ومع ذلك، فقد قام الفريق الذي يقوده سيتشي وشبيغل بدراسة سيناريوهين إضافيين: إذا شن الجيش الإسرائيلي هجمات على رفح وتفاقمت الأزمة في الأشهر المقبلة.
ووفقا لهذا السيناريو، من المتوقع أن يتجاوز عدد الوفيات 85 ألف قتيل، وفي المجمل ستبلغ الحصيلة في القطاع أكثر من 120 ألف قتيل.
ولكن حتى من دون عملية في رفح، وفي حالة إطالة أمد الحرب حتى منتصف الصيف واستمرار الأزمة الإنسانية كما هي، يتنبأ النموذج بوفيات زائدة قدرها 58 ألف شخص، أي حوالي 100 ألف ضحية في المجموع.
ورغم أن البيانات المتعلقة بعدد القتلى في قطاع غزة تنشرها وزارة الصحة التابعة لحماس، كما تقول الصحيفة، فإن متخصصين في إسرائيل يتحدثون عن أرقام مماثلة.
وقد قدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه مؤخرا أن 13 ألف مسلح من حماس قتلوا حتى الآن، وأن نسبة المدنيين الذين قتلوا هي 1 إلى 1.5 لكل مسلح، وبالتالي يستدل حتى من التقديرات الإسرائيلية أن العدد الإجمالي للقتلى المدنيين في غزة يتراوح بين 26 ألفا و32 ألفا و500.
عوامل وبيانات
وفيما يتعلق بسكان غزة المفقودين، أبلغت حماس عن وجود 8500 شخص، وأضافت أن هذا على الأرجح أقل من الواقع. ومع ذلك، فإن الصليب الأحمر -الذي يقوم بمراقبته الخاصة بناء على تقارير من الأقارب- أدرج 5100 شخص مفقود.
ولا يذكر دائما عدد المفقودين إلى جانب عدد القتلى، ولا يتم احتساب الوفيات الزائدة نتيجة الأزمة الإنسانية وانهيار الأنظمة الصحية والجوع وسوء التغذية، ويعتقد سيتشي أن الأرقام التي تظهر من نموذجه ونموذج زملائه يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار أيضا.
ويقول أستاذ علم الأوبئة والصحة الدولية سيتشي إن “كمية البيانات التي أدخلناها في النظام هائلة وكثيرة، يبدأ الأمر ببيانات الوفيات في غزة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي شكلت الأساس، ولهذا أضفنا بيانات حديثة مختلفة مثل انتشار المياه والغذاء، والاكتظاظ في جنوب قطاع غزة، وكم عدد الأنظمة الطبية التي لا تزال تعمل، وعدد أسطوانات الأكسجين المتوفرة حاليا في غزة للعلاج الطبي، حيث تم إنشاء السيناريوهات اعتمادا على هذه البيانات”.
أمراض ووفيات
ووفقا للدراسة، فإن السبب الأكثر شيوعا للوفيات الزائدة هو الإصابات الناجمة عن التفجيرات، إذ يوجد حاليا 74 ألف جريح في غزة يتلقون رعاية طبية جزئية جدا.
وخلال الحرب، تضرر 36 مستشفى و100 عيادة ومؤسسة صحية أخرى. ويعاني النظام الصحي في قطاع غزة من نقص حاد في المعدات والأدوية، فضلا عن نقص في الفريق الطبي.
ووصف الدكتور رسلان أبو ستيه، طبيب من المستشفى الأهلي بغزة، في لقاء عبر الإنترنت مع طاقم كلية الطب بجامعة هارفارد، كيف اضطر هو وزملاؤه إلى إجراء العديد من عمليات بتر الأعضاء دون تخدير ودون مسكنات.
السبب الثاني للوفيات الزائدة هو الأمراض المعدية التي تنتشر بالفعل في القطاع. وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن الأطفال في مدن الخيام المؤقتة يعانون من الإسهال بمعدلات تزيد 23 مرة عن الأيام العادية، مما يعرضهم لخطر الجفاف والموت.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك تزايد في حالات التهابات الجهاز التنفسي وجدري الماء والأمراض الجلدية والتهابات المسالك البولية.
وبحسب منظمة المؤتمر الوطني العام التي تعمل تحت رعاية اليونيسيف، فإن 90% من الأطفال دون سن الخامسة في قطاع غزة يعانون من مرض معدي أو أكثر.