تتسارع التطورات في روسيا بعدما اتهم يفغيني بريغوجين، قائد المجموعة العسكرية الخاصة (فاغنر) وزير الدفاع سيرغي شويغو، بإصدار الأمر بقصف مقارّ قواته، داعيا الروس إلى تمرد مسلح يهدف إلى الإطاحة بشويغو.
وسارعت وزارة الدفاع إلى نفي استهداف بريغوجين، وردت أجهزة الأمن على الفور بفتح تحقيق جنائي مع قائد فاغنر الذي انتقد سابقا القيادة العسكرية بسبب إخفاقاتها في الحرب بأوكرانيا، وهو معروف بخصامه الطويل مع وزارة الدفاع.
وبينما أعلنت لجنة “مكافحة الإرهاب” الروسية، اليوم السبت، فرض نظام مكافحة الإرهاب في العاصمة والمنطقة المحيطة بها، أكد بريغوجين أنه دخل المقر العام لقيادة الجيش بمدينة روستوف المجاورة لأوكرانيا، والتي تشكل مركزا أساسيا للهجوم الروسي على هذا البلد المجاور، وسيطر على مواقع عسكرية من ضمنها مطار.
ماذا قال بريغوجين؟
نشر بريغوجين البالغ 62 عاما سلسلة من التسجيلات المرئية والصوتية الغاضبة التي اتهم فيها وزير الدفاع بإصدار أمر بشن هجوم صاروخي -أمس الجمعة- على معسكرات فاغنر الميدانية بأوكرانيا، حيث تقاتل قواته نيابة عن روسيا.
وقال بريغوجين إن قواته ستعاقب شويغو في تمرد مسلح، وحث الجيش على عدم المقاومة، قائلا “هذا ليس انقلابا عسكريا، بل مسيرة عدالة”.
أما وزارة الدفاع فنفت تنفيذ الهجوم الصاروخي الذي تحدث عنه بريغوجين، بينما قالت ما تسمى اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب ـوهي جزء من أجهزة الأمن الفدراليةـ إنه سيتم التحقيق معه بتهمة الدعوة لتمرد مسلح. وحث مكتب الأمن الفدرالي جنود فاغنر على اعتقال بريغوجين ورفض “أوامره الإجرامية الغادرة”.
ووصفت هذه اللجنة تصريحا بريغوجين بأنها “طعنة في الظهر للقوات الروسية” وقالت إنها ترقى إلى إثارة نزاع مسلح في البلاد. وسارعت شرطة مكافحة الشغب والحرس الوطني لتشديد الإجراءات الأمنية بالمرافق الرئيسية في موسكو، بما في ذلك الوكالات الحكومية والبنية التحتية للنقل، حسبما ذكرت وكالة أنباء “تاس”.
ما خلفية بريغوجين؟
عام 1981 أُدين بريغوجين بالسرقة والاعتداء، وحُكم عليه بالسجن 12 عاما. وبعد إطلاقه في تسعينيات القرن الماضي، افتتح مطعما في سانت بطرسبرغ، وبهذه الصفة تعرف على الرئيس بوتين، ثم عين لاحقا نائبا لعمدة مدينة سانت بطرسبرغ.
واستخدم بريغوجين علاقته ببوتين لتطوير شركة تموين، وفاز بعقود حكومية مربحة أكسبته لقب “طباخ بوتين”. ثم توسع نشاطه لاحقا ليشمل مجالات أخرى، بما في ذلك وسائل الإعلام و”مصنع ترول” سيئ السمعة الذي أدى إلى اتهامه بالولايات المتحدة بالتدخل في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2016 والتي فاز فيها الرئيس السابق دونالد ترامب.
بعد سنوات من إنكار صلته بمجموعة فاغنر، أقر بريغوجين في سبتمبر/أيلول 2022 بتأسيس وقيادة وتمويل شركة فاغنر “الغامضة”. وتباهى بذلك قائلا “أنا فخور بأنني تمكنت من الدفاع عن حقهم في حماية مصالح بلادهم”.
كيف حصلت فاغنر على اسمها؟
بحسب ما يتردد من معلومات أخذت هذه المجموعة اسمها من الاسم الحركي لزعيمها ديمتري أوتكين، وهو ضابط عسكري متقاعد يقال إنه اختار اسم فاغنر لتكريم الملحن المفضل لدى الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر. ورغم إنكار الكرملين أي علاقات مع فاغنر، فهناك صور تجمع بوتين بجانب أوتكين.
أين مركز فاغنر؟
هذه المجموعة غير مسجلة ككيان قانوني في أي مكان بالعالم. فالمرتزقة غير قانونيين بموجب القانون الروسي. ويقول المراقبون إن وجودهم الغامض يسمح لموسكو بالتقليل من شأن خسائرها في ساحة المعركة والنأي بنفسها عن الفظائع التي ارتكبها مقاتلو فاغنر.
وحسب سورشا ماكليود، رئيس فريق الأمم المتحدة العامل المعني باستخدام المرتزقة، الذي فحص المجموعة فإن “تعمل في حالة من التعتيم، وهناك افتقار حقيقي للشفافية وهذا هو بيت القصيد”. وذكرت أن هيكلهم يسمح لهم بالحصول على إنكار معقول وخلق “مسافة بين الدولة الروسية وهذه الجماعة”.
أين تم تشغيل فاغنر؟
شوهدت فاغنر تعمل شرق أوكرانيا بعد فترة وجيزة من اندلاع الصراع الانفصالي هناك في أبريل/نيسان 2014، خصوصا الأسابيع التي أعقبت ضم روسيا شبه جزيرة القرم.
بينما دعمت روسيا التمرد الانفصالي في دونباس (قلب أوكرانيا الصناعي الشرقي) أنكرت روسيا إرسال أسلحتها وقواتها هناك رغم وجود أدلة على عكس ذلك. وسمح إشراك متعاقدين من القطاع الخاص بالقتال لحساب موسكو على الحفاظ على درجة من الإنكار.
كما انتشر أفراد فاغنر في سوريا، حيث دعمت روسيا نظام الرئيس بشار الأسد في حربه ضد المعارضة. وفي ليبيا، قاتلوا إلى جانب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وتعمل هذه المجموعة أيضًا في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي.
وقد استغل بريغوجين انتشار فاغنر في سوريا والدول الأفريقية لتأمين عقود تعدين مربحة. ففي يناير/كانون الثاني الماضي قالت وكيلة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند إن هذه الشركة تستخدم وصولها إلى الذهب وموارد أخرى بأفريقيا لتمويل العمليات في أوكرانيا.
وقالت بعض وسائل الإعلام الروسية إن فاغنر متورطة في مقتل 3 صحفيين روس بجمهورية إفريقيا الوسطى عام 2018 كانوا يحققون بأنشطة المجموعة.
ما سمعة فاغنر؟
اتهمت دول غربية وخبراء من الأمم المتحدة مرتزقة فاغنر بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في جميع أنحاء أفريقيا، بما في ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا ومالي.
وعام 2021، اتهم الاتحاد الأوروبي فاغنر بارتكاب “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفيًا والقتل” وتنفيذ “أنشطة مزعزعة للاستقرار” بجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وسوريا وأوكرانيا.
وأظهر مقطع فيديو على الإنترنت عام 2017 مجموعة من المسلحين -يقال إنهم متعاقدون مع فاغنر- يقومون بتعذيب سوري وضربه حتى الموت بمطرقة ثقيلة قبل تشويه جسده وحرقه. وتجاهلت السلطات الروسية طلبات الإعلام والنشطاء الحقوقيين بالتحقيق في هذه الفاجعة.
وعام 2022، أظهر مقطع فيديو آخر مقاولًا سابقًا لشركة فاغنر تعرض للضرب حتى الموت بمطرقة ثقيلة بعد أن زعم أنه فر إلى الجانب الأوكراني وتمت إعادته إلى وطنه. ورغم الغضب العام والمطالبات بإجراء تحقيق، غض الكرملين الطرف.
ما دور فاغنر في أوكرانيا؟
لعبت فاغنر دورا واضحا، وبشكل متزايد في الحرب، حيث عانت القوات الروسية النظامية من الاستنزاف الشديد وفقد الأراضي في نكسات مذلة. وقام بريغوجين بجولة في السجون الروسية لتجنيد مقاتلين، ووعدهم بالعفو إذا نجوا من جولة تستمر نصف عام بالخدمة الأمامية مع فاغنر.
وفي مايو/أيار الماضي، قال بريغوجين إنه جند 50 ألف مدان، قتل منهم نحو 10 آلاف في باخموت، وهناك عدد مماثل من مقاتليه ماتوا. لكنه أكد أن لديه 50 ألف عنصر تحت تصرفه “في أفضل الأوقات” مع 35 ألفا على الخطوط الأمامية في جميع الأوقات. ولم يذكر ما إذا كانت هذه الأعداد تشمل المدانين.
من جانبها، قدرت الولايات المتحدة أن فاغنر كان لديها حوالي 50 ألف فرد يقاتلون في أوكرانيا، بما في ذلك 10 آلاف متعاقد و40 ألف مدان. وقال مسؤول أميركي إن ما يقرب من نصف الجنود الروس الذين قتلوا بأوكرانيا منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، وعددهم 20 ألف جندي، من جنود فاغنر في باخموت.
وتقدر واشنطن أن فاغنر تنفق حوالي 100 مليون دولار شهريا بالقتال. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، اتهمت واشنطن كوريا الشمالية بتزويد هذه الشركة الروسية بأسلحة، بما في ذلك الصواريخ، في انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي. ولكن فاغنر وكوريا الشمالية نفتا هذه التقارير.
كيف انتقد بريغوجين الجيش الروسي؟
إذا كان الاتهام الأميركي صحيحا، فإن وصول فاغنر إلى الأسلحة الكورية الشمالية قد يعكس نزاعها الطويل الأمد مع القيادة العسكرية الروسية، والذي يعود تاريخه إلى إنشاء الشركة.
ونسب بريغوجين الفضل الكامل إلى فاغنر للاستيلاء على بلدة سوليدار لتعدين الملح بمنطقة دونيتسك الأوكرانية، واتهم وزارة الدفاع الروسية بمحاولة سرقة مجد فاغنر. كما اشتكى مرارا من أن الجيش فشل في تزويد مجموعته بالذخيرة الكافية للسيطرة على باخموت مهددا بسحب عناصره.
وقد سجلت القوات -التي يرجح أنها متعاقدة مع شركة فاغنر بأوكرانيا- مقطع فيديو قاموا فيه بإهانة رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال فاليري جيراسيموف وإلقاء الشتائم على شخصه، واتهامات بعدم توفير الذخيرة.
وخص بريغوجين أيضا وزير الدفاع بانتقاداته الشديدة واتهامه القادة العسكريين بعدم الكفاءة. وتعد شكواه المتكررة غير مسبوقة بالنسبة لهذا النظام السياسي الخاضع للسيطرة المشددة، حيث لا يستطيع أحد سوى الرئيس بوتين توجيه مثل هذه الانتقادات.
وكان بريغوجين، الذي يعد في السابق شخصية غامضة، يرفع من صورته العامة بشكل متزايد، ويتفاخر يوميا تقريبا بانتصارات فاغنر المزعومة، ويسخر من أعدائه ويشكو من الضباط العسكريين.
وعندما سُئل مؤخرا عن أوجه الشبه بينه وبين غريغوري راسبوتين ـوهو معالج روحي روسي اكتسب تأثيرا على آخر قيصر روسي من خلال ادعائه أن لديه القدرة على علاج مرض الهيموفيليا لابنه- قال بريغوجين “أنا لا أوقف الدم، لكني سفكت دماء أعداء وطننا”.