قالت صحيفة الغارديان إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن الإستراتيجية الجديدة بعد أسبوعين من عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وذكرت أن مسؤولين إسرائيليين أوضحوا للصحفيين أن عملية جديدة تسمى “نيلي”، وهي اختصار لعبارة توراتية باللغة العبرية تعني “إسرائيل الأبدية لن تكذب”، ستستهدف كبار قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولكن مستهدفين سابقين بمثل هذه العمليات رأوا أنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية وأنها غير عملية وغير فعالة.
وقال نتنياهو -حسب تقرير جيسون بيرك من القدس- في مؤتمر صحفي إنه أصدر تعليماته لجهاز المخابرات الإسرائيلي في الخارج (الموساد) “باغتيال جميع قادة حماس أينما كانوا”، وبعده صدر تسجيل مسرب عن رونين بار، رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) وهو يقول للبرلمانيين الإسرائيليين إن قادة حماس سيُقتلون “في غزة وفي الضفة الغربية وفي لبنان وفي تركيا وفي قطر وفي كل مكان… سيستغرق الأمر بضع سنوات، لكننا سنكون هناك من أجل القيام بذلك”.
ويرى محللون أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تركز حاليا على قتل قادة حماس في غزة، كما أكد الجيش الإسرائيلي أنه يضيق الخناق على قائدها يحيى السنوار.
وقال الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب كوبي مايكل “نحن نفهم أنه يتعين علينا الوصول إلى الجميع في قيادة حماس، لأننا لن نشل هذه المنظمة بدون القضاء على هذه الشخصيات المؤثرة للغاية. لقد كانوا متورطين بشدة في الهجوم القاتل الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ويجب أن يدفعوا الثمن”.
لا تحل مشكلة
ولكن الجميع -حسب الصحيفة- غير مقتنعين بمثل هذه العمليات، ويقول الصحفي يوسي ميلمان الذي غطى أخبار أجهزة الأمن الإسرائيلية لعقود، إن إستراتيجية الاغتيالات “لا تحل أي شيء”، وأضاف “مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي مغرم بالاغتيالات، والآن يشعرون بالخجل والإذلال ويريدون خلاص أنفسهم”.
وأشار آخرون إلى أن الحديث العلني المتكرر عن الحملة يعبر عن رغبة المسؤولين في طمأنة السكان الخائفين الذين فقدوا الثقة في قدرة أجهزة الأمن الإسرائيلية والحكومة على الحفاظ على سلامتهم، يقول يوسي ألفر، وهو مسؤول سابق في الموساد “إن تذكر ميونخ مثير، ولكنه غير مجد ما لم تخرج حماس من قطاع غزة حيث يمكن تعقبها، وهذا غير لن يحدث”.
ورجح بعض المؤرخين أن حملة الاغتيالات التي قام بها الموساد بعد ميونخ ربما كانت تؤدي إلى نتائج عكسية على المدى الطويل، مع أن بعضها كان له تأثير إستراتيجي حقيقي، مثل اغتيال فتحي الشقاقي، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في مالطا عام 1995، واغتيال عماد مغنية، في عملية مشتركة على يد الموساد ووكالة المخابرات المركزية عام 2008.
فقد أدى مقتل الشقاقي إلى إصابة الجهاد الإسلامي في فلسطين بالشلل لعدة سنوات، ولكن الجهاد أعاد بناء قوته في السنوات التي تلت ذلك، وكان مقتل مغنية بمثابة ضربة كبيرة لحزب الله، ولكن الحزب لا يزال حيا وينشط.
وقد أجرت الغارديان مقابلات مع 5 فلسطينيين استهدفتهم عمليات اغتيال على مدى أكثر من 50 عاما، وقالوا جميعا إن محاولات اغتيالهم لم تؤد إلا إلى تعزيز قناعاتهم وساعدت في تجنيدهم في فصائلهم، وهو ما يعني أن الاغتيال لا يشكل بالضرورة رادعا.
عززت قناعاتهم
ويتذكر باسم أبو شريف كيف أصيب بجروح بالغة عام 1972 جراء قنبلة أرسلتها إسرائيل، قائلا “كانت الحزمة موجهة إليّ وكان بداخلها كتاب عن تشي غيفارا. فتحت الكتاب، وقلبت 3 صفحات ورأيت المتفجرات مرتبطة ببطارية”، وأضاف “أخذوا إصبعي وعيني و65% من البصر في الأخرى”، ولكن الهجوم جعله أكثر تصميما على مواصلة نشاطه مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
تباطأت حملة الاغتيالات الإسرائيلية التي أعقبت هجمات ميونخ، لكنها لم تتوقف حيث قتل علي حسن سلامة عام 1979 في تفجير سيارة مفخخة في بيروت، وقتل صلاح خلف، في تونس عام 1991، ولكن محاولة اغتيال خالد مشعل فشلت عام 1997، إلا أن الحملة تكثفت خلال الانتفاضة الثانية بين 2000 و2005.
وقال توفيق الطيراوي، رئيس مخابرات فتح السابق الذي نشط في السبعينيات، إن الحركة ردت على حملة إسرائيل، وهو ما أسفر عن مقتل عميل للموساد وإصابة آخر بجروح خطيرة، كما توفي دبلوماسي إسرائيلي في لندن بعد أن فتح رسالة مفخخة، وقال “في الواقع، كان هناك تبادل اغتيالات بيننا وبين الإسرائيليين”.
غير أن السؤال يبقى -حسب الصحيفة- هو هل حملة مثل تلك التي وعد بها نتنياهو قابلة للتطبيق بالفعل، خاصة أن قيادة حماس الحالية خارج غزة تتمركز بشكل أساسي في قطر وتركيا، وقد حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل من استهداف مسؤولي حماس هناك، وقال ألفر إن الاغتيالات ستكون مستحيلة في قطر لأنها وسيط رئيسي للمفاوضات الرامية إلى إطلاق سراح حوالي 140 محتجزا إسرائيلي في غزة.
وقال عضو سابق آخر في حملات الموساد في السبعينيات إن الاغتيالات في مصر لن تكون ممكنة، كما أنها في أوروبا الآن “أمر لا يمكن تصوره”، لأن الضرر الدبلوماسي الذي يحدث في فرنسا أو المملكة المتحدة أو حتى ألمانيا سيكون كارثيا.