رغم الدعوات لعدم تسييس الحادثة، استغل اليمين واليمين المتطرف في فرنسا الهجوم الذي شنه لاجئ سوري الخميس في أنسي شرقي البلاد للتنديد بـ”نزعة التوحش” الناتجة من “الهجرة الجماعية”.
وأحدث الهجوم بسكين على أطفال صغار في متنزه صدمة هائلة في فرنسا، لكنها لم تمنع من توظيفه سياسيا، ولم تحدث دقيقة الصمت في الجمعية الوطنية فور وقوع المأساة الأثر المرجو.
وأصيب في الهجوم 6 أشخاص بينهم 4 أطفال، لا يزال اثنان منهم في “حالة طوارئ حيوية”.
وتوجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أنسي، بينما دعت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن الجميع إلى “التحلي بالمسؤولية في هذه الظروف”.
كما حذّر المتحدث باسم الحكومة أوليفييه فيران من “لعبة التفسيرات والتبريرات الضارّة”، ودعا وزير الاقتصاد برونو لومير إلى “ترك السياسة جانبًا لبعض الوقت”.
صرخة في واد
لكن تلك التصريحات كانت أشبه بصرخة في واد، إذ إن الهجرة موضوع شديد الحساسية ومثير للانقسام في فرنسا، حيث اغتنم اليمين المتطرف الفرصة في ضوء تقدمه المستمر منذ سنوات حتى صار قاب قوسين من تولي السلطة.
وسخرت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان الجمعة من تصريحات المسؤولين، قائلة “هل هناك سلطة عليا يتعين طلب الإذن منها للحديث عن المشاكل؟”.
وقالت عبر إذاعة “أوروبا 1″، “أشعر بأنني مضطرة لتقديم إجابات، وأعتقد أن الفرنسيين ينتظرون منا أن نقدم إجابات”.
وفور انتشار نبأ الهجوم الخميس، استنكر العديد من قادة اليمين واليمين المتطرف “الهجرة الجماعية”، وتحدث بعضهم عن “النزعة الإسلامية الراديكالية” و”الإرهاب”، قبل أن يتبيّن أن المهاجم مسيحي وتعلن النيابة العامة أنه تصرف “من دون دافع إرهابي واضح”.
واعتبر رئيس حزب “التجمع الوطني” جوردان بارديلا -عبر تويتر- أنه “يجب إعادة النظر في سياستنا للهجرة برمتها، وعدد من القواعد الأوروبية”.
بدوره، قال نائب رئيس الحزب ديفيد راشلين إن “الهجرة الجماعية لها صلة مباشرة بنزعة التوحش التي تعانيها بلادنا”.
مشروع الهجرة
ومثّل الهجوم فرصة ظهور أيضا لليمين التقليدي الذي يحاول حاليا فرض مقترحاته في المشروع الجديد للهجرة الذي تسعى الغالبية الرئاسية لصوغه.
وقال رئيس كتلة حزب “الجمهوريين” أوليفييه مارليكس إن “الهجرة الجماعية غير المضبوطة تقتل”.
وصرّح رئيس الحزب إيريك سيوتي -أمس الخميس- أن “علينا أن نستخلص كل العبر بدون سذاجة وبحزم ووضوح”.
كما انتقد سيوتي -اليوم الجمعة- ما وصفه بـ”الإدارة الكارثية للجوء في أوروبا”، ودعا إلى عدم “الخضوع للقواعد المفروضة علينا” بعد الآن.
وتشير التصريحات التي تم الإدلاء بها غداة اجتماع أوروبي بشأن الهجرة، إلى الاتفاق على إلزامية التضامن بين الدول الأعضاء في توزيع طالبي اللجوء.
أهمية متزايدة
وعلى غرار العديد من دول الاتحاد الأوروبي، اكتسبت قضية الهجرة أهميّة متزايدة في النقاش العام في فرنسا، وهو اتجاه يتصاعد بفعل وصول أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا.
وبحسب استطلاع أجراه معهد “إيفوب” ونشرته صحيفة “لوجورنال دوديمونش” في نهاية مايو/أيار، فإنه 69% من الفرنسيين يؤيدون تعديل الدستور لإتاحة عدم التقيد بالقواعد الأوروبية من أجل الحد من الهجرة.
ويتهم اليمين المتطرف اليسار الراديكالي بأنه مؤيد للهجرة الجماعية.
من جهته، أعرب الكاتب الجزائري كمال داود الجمعة عن أسفه “لغياب التفريق” بين الهجرة والجريمة في النقاش العام، وأضاف قائلا: “يمكننا أن نحصر الأمر بالقراءة السياسة وتلك المتصلة بالهوية، لكن المأساة الإنسانية أكثر تعقيدا بكثير”، وذلك وفقا لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.