حين ولد الطفل فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين في لينينغراد عام 1952، كانت سنة قد انقضت على وفاة قائد الثورة البلشفية جوزيف ستالين بعد 19 سنة من حكم الاتحاد السوفياتي. وبعد عقود سيتفكك الاتحاد ويصبح الطفل رئيسا لروسيا، بل من بين الأكثر بقاء في السلطة في تاريخ روسيا القيصرية والبلشفية، متجاوزا ستالين وليونيد بريجنيف والكثير من القياصرة.
وفي 17 مارس/آذار الجاري، حسم بوتين أمر تجديد إقامته في الكرملين 6 سنوات قادمة، قد تتبعها 6 أخرى إلى عام 2036، ليكون بذلك قد عاصر 5 رؤساء أميركيين منذ عام 2000، معظمهم رأوا فيه رجلا ملتبسا ومستبدا، تثبّته في كل مرة بالسلطة انتخابات مشكوك في نزاهتها.
في غياب التنافسية وتراجع عدد المرشحين، اكتسح بوتين الانتخابات بنسبة تجاوزت 87%، وهي أعلى نسبة يحصل عليها منذ انتخابه أول مرة عام 2000 عندما فاز بنسبة 52% أمام زعيم الحزب الشيوعي غينادي زيغانوف، ليصبح زعيما لروسيا على مدى 3 عقود.
ووفق الرؤية الغربية، يعد بوتين مجرد “دكتاتور” يقمع الحريات ويصفّي معارضيه وخصومه بدم بارد مثل سيرغي يوشينكوف، وآنا بوليتكوفسكايا، وألكسندر ليتفيننكو، وبوريس نيمتسوف، وأليكسي نافالني، يضاف إليهم زعيم مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين الذي ذهب بعيدا في الخلاف مع زعيمه، لكن وفق الكاتب الأميركي جيم هاينتز في مقال له بأسوشيتد برس فإن:
“ثقل تلك الفترة الطويلة، والقمع الشامل لأصوات المعارضة المحلية الفعالة، يمنحان بوتين يدا قوية للغاية وربما غير مقيدة”.
ولم يكن الغرب يراهن على سقوط بوتين بخسارته هذه الانتخابات، فلا الوضع السياسي ولا الواقع الموضوعي لروسيا يتيحان ذلك، ولا شخصية بوتين المتنفذة والعنيدة، ولا ظروف الحرب في أوكرانيا ولا الصراعات العالمية القائمة تسمح بتغيير في القيادة الروسية.
وبعد 24 سنة في الحكم، بات فلاديمير بوتين أقرب إلى “رئيس الضرورة” بالنسبة للكثير من الروس، وحتى في الولايات المتحدة والغرب استسلم من كانوا يفضلون رئيسا بمقاييس بوريس يلتسين لفكرة وجود بوتين حاكما مطلقا لروسيا على الأقل في المدى المنظور.
وبشكل ما لم يسمح الرجل بعد توليه السلطة بأن تصل الأمور في روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي إلى نقطة الانهيار الشامل، كما كان يراد لها في لعبة التوازنات الدولية وحقبة الثورات الملونة.
وكل ما جرى بعد سنة 2000 يشير بوضوح إلى أن بوتين كان يبني نظام حكم يتمحور حول شخصيته بالدرجة الأولى، حيث سلم الرئاسة بأحكام الدستور في فترة ما لديمتري مدفيديف (بين 2008 و2012)، لكن مقاليد السلطة كانت عمليا بيده وهو رئيس للحكومة.
وأجّل الصدام مع الغرب، واختار أن يسير في ركاب الديمقراطية الليبرالية التي ورثها عن بريسترويكا ميخائيل غورباتشوف وبعده يلتسين، لكنه عمل أيضا على تنقيتها من الكثير من “الفوضى والشوائب” وسطوة رجال الرأسمالية الطفيلية الوافدة، وضغط على القوى السياسية والاقتصادية لكي تكون في خدمة مشروعه. وكانت ديمقراطية بوتين تحت الرقابة ومنمطة، وموجهة بوجود أحزاب موالية وأخرى قليلة معارضة يتم التضييق عليها تفضي في النهاية إلى ما يريده من نتائج.
احتاج الغرب الكثير من الوقت لفهم شخصية بوتين واستيعاب وصفه سقوط الاتحاد السوفياتي بكونه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن الـ20” ولخطواته السياسية التي وصلت إلى حد اجتياح أوكرانيا في 24 فبراير/شباط عام 2022.
فهم الدبلوماسي والسياسي الأميركي الراحل هنري كيسنجر تماما شخصية بوتين وتوجهاته حين قال في حديث لصحيفة فايننشيال تايم: “كانت معتقداته الأساسية نوعا من الإيمان الصوفي بالتاريخ الروسي.. كان يشعر بالإهانة، لقد تعرض للإهانة والتهديد، لأن روسيا كانت مهددة بامتصاص الناتو لهذه المنطقة بأكملها..”.
وكان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” وليام بيرنز أكثر دقة عندما سُئل عن تقييمه لشخصية بوتين، حيث قال: “إنه يختمر في خليط قابل للاشتعال من الإحساس بالظلم والطموح منذ سنوات بعيدة”، مضيفا أن “آراءه ازدادت تصلبا وأنه معزول بشدة عن وجهات النظر الأخرى”، وفق تقييمه.
الخروج من خلف الستار
حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي كان بوتين شخصا مغمورا سياسيا وخارج التصنيف في دوائر المخابرات الغربية، وحين بدأ الاهتمام بدراسة شخصيته وتوجهاته أفادت معظم التقارير بأنه رجل استخبارات بامتياز، فطن وكتوم إلى حد يشي بالخجل وغامض إلى حد البرود وبشكل يصعب اختراقه.
حتى أواخر عام 1989، كان المقدم فلاديمير بوتين- الذي انضم إلى وكالة الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) عام 1975- يدير فرع الوكالة في درسدن بألمانيا الشرقية (آنذاك). وشهد بشكل مباشر نهايات الحرب الباردة بسقوط جدار برلين في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 1989 والكثير من الأحداث التي رافقتها بكل حمولتها وتأثيراتها الجيوإستراتيجية والتاريخية.
في ذلك اليوم، اقتحم المتظاهرون الغاضبون مبنى “شتازي” (الشرطة السرية لألمانيا الشرقية) في المدينة ثم اتجهوا مستنفرين إلى مقر “كي جي بي” القريب لاقتحامه. خرج المقدم بوتين وواجههم بهدوء وثقة قائلا: “أنتم بصدد اقتحام أرض سوفياتية وهذا المقر يعج بالعناصر المسلحين ولديهم الإذن بإطلاق النار في حالات الطوارئ”، كانت كلمة تهديد غير مباشرة، مقتضبة وهادئة وأقرب إلى البرود، لكن الحشد تفرق بعد هنيهة.
لم يكن بالمقر في الحقيقة سوى عدد قليل من العناصر الخائفين من رد فعل المتظاهرين، حسب رواية أحد ضباط “كي جي بي” الذين حضروا الواقعة، لكن تلك وفق تقديره كانت من العلامات المبكرة على كيفية إدارة المقدم الذي صار رئيسا للصراعات وقوة الثبات الانفعالي لديه والذي تحدث عنه لاحقا كل من قابلوه.
بطبائع التحولات، لم يمكث بوتين طويلا في درسدن، حيث رجع إلى مسقط رأسه في لينينغراد التي عادت بحكم التحولات أيضا إلى تسميتها القديمة سان بطرسبورغ، حيث شغل هناك عدة مناصب محلية، ومنها كان شاهدا على التداعي السريع والسقوط الموجع لاتحاد الجمهوريات السوفياتية إلى حد التفكك عام 1991، ثم التدهور الاقتصادي والاجتماعي، إلى حد أنه كان يعمل سائق سيارة أجرة بالليل، كما قال في إحدى حواراته.
كانت ما سماها لاحقا “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن الـ20” تحدث أمامه وهو رجل الاستخبارات الذي عايش أيام المجد السوفياتي، وتشرّب من أفكار معلميه يوري أندروبوف ويفغيني بريماكوف، ولم يكن لديه الكثير مما يفعله حين عيّن بين عامي 1996 و1998 في منصب هامشي كنائب رئيس إدارة الممتلكات الرئاسية، لكن الأقدار لعبت لعبتها ليشهد صعودا سريعا ولافتا بتسلم رئاسة جهاز الأمن الفدرالي الروسي وريث “كي جي بي” ثم رئاسة الوزراء بعد عام واحد خلفا لبريماكوف.
ولم يكن فلاديمير بوتين ضمن الصفوف الأولى ولا الثانية لرجال ميخائيل غورباتشوف ولا بوريس يلتسين، ولم يكن من المسؤولين الذين أفرزتهم البيريسترويكا (إعادة البناء) بل كان على هامشها، قد يكون تسرب من بين شقوقها ليصل إلى المنصب الاستخباراتي الأرفع في البلاد ثم رئاسة الوزراء ليكون على بينة مدى السوء الذي وصلت إليه أوضاع الدولة.
إعادة هيكلة البريسترويكا
صباح 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2000، فوجئ الروس والعالم بتخلّي بوريس يلتسين عن الرئاسة وجميع المناصب التي يشغلها في الاتحاد الروسي. لا يُعرف الدور الذي لعبه رئيس وزرائه على وجه التحديد، لكن معلومات أشارت إلى أن بوتين ضغط على رئيسه بملفات كان ثمنُ طمسها هو خروجه من السلطة.
ومن المؤكد أن بوتين الذي أصبح رئيسا بعد انتخابات مارس/آذار كان مستاء من مآلات الوضع في روسيا، كان يريد إعادة البناء، لكن بعيدا عن الشيوعية التي كان مؤمنا بها سابقا، “فالنظام السياسي الذي كان قائما في ظل الشيوعية وصل إلى طريق مسدود والاقتصاد بات عاجزا عن التقدم”، كما قال في حوار مع المخرج الأميركي أوليفر ستون.
كان يحن أيضا إلى العهد السوفياتي كما ذكر في حوار آخر له، لأن “من لا يحن إلى الاتحاد السوفياتي فهو بلا قلب.. لكن من يريد استعادة الاتحاد السوفياتي فهو بلا عقل”، فقد أدرك أن الأوضاع الجيوسياسية تغيرت بشكل لا رجعة فيه.
وفي فترة رئاسته الأولى (2000 -2004) بدا الرئيس بوتين سياسيا براغماتيا متحللا من الأيديولوجيا. سار على خطى سلفه يلتسين في تقربه من الولايات المتحدة وأوروبا والعمل على تلبية “المعايير” الغربية. وكانت الصدمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي ماثلة ومؤثرة، وتحتاج وقتا لا يحتمل المغامرة من أجل إعادة الاستقرار وتضميد جروح سقوط الاتحاد السوفياتي.
بدأت الثورات الملونة بدعم غربي أيضا تترى على أطراف روسيا، في جورجيا عام 2003 وأوكرانيا عام 2004، وانضمت بعض دول البلطيق إلى حلف الناتو وبعضها للاتحاد الأوروبي، ومثّل كل ذلك جرس إنذار لبوتين الذي كان يعرف بحكم تكوينه وخبرته كضابط مخابرات أن منظومة الأمن القومي الروسي تبدأ عند حدود دول الاتحاد السوفياتي السابق.
وكان بوتين بطبعه متأثرا بالأفكار الكلاسيكية عن الأيديولوجية الروسية، وما طرحه الفيلسوف “إيفان إيليين” عن خطورة الديمقراطية الغربية على روسيا واستحالة ترويض التنوع العرقي والجغرافي والثقافي في البلاد وفق التصورات الغربية، وضرورة وجود نظام حكم مركزي أو “دكتاتورية وطنية روسية” بزعامة قائد وطني قوي يحقق الوحدة والاستقرار.
كان يدرك أيضا في قرارة نفسه أن الروس قد خدعوا بوعود الديمقراطية التي أدت إلى سنوات من الذل والفقر والعجز، وفق تقديره، وقد أشار بوتين إلى ذلك في عدة حوارات لاحقة بقوله مثلا:
“روسيا خدعت من قبل الغرب بعد نهاية الحرب الباردة، لقد وقعت ضحية لحلف شمال الأطلسي العدواني، بعد عام 1991 عندما توقعت روسيا أن يتم الترحيب بها في أسرة الأمم المتحضرة لم يحدث شيء من هذا القبيل، لقد خدعونا”.
اقترب بوتين أيضا من أفكار الفيلسوف ألكسندر دوغين، الذي كان عمل على تجديد “الأوراسية” بالتزامن مع صعوده هو إلى السلطة، وكان خيار بوتين الأخير أن روسيا لا يمكن أن تكون تابعة للغرب الذي لا يفتح أحضانه لروسيا بقدر ما يسعى إلى احتوائها وعزلها، وأن مواجهة ذلك تكون بوجود قيادة تمزج بين القيصرية والستالينية، إضافة إلى نزعة روسية جديدة تتلاقى فيها الكنيسة الأرثوذكسية مع العالم السلافي أو الأوراسي.
واصل بوتين الدبلوماسية الناعمة وإدارة الصراع بشكل هادئ مع الغرب، لكنه كان مسكونا بالتاريخ وبهاجس العزلة الروسية، وشديد الاقتناع بمقولة القيصر ألكسندر الثالث بأن “روسيا ليس لديها ما تعتمد عليه سوى حليفين، جيشها وأسطولها”، فسعى إلى بناء القوة العسكرية الروسية خصوصا السلاح النووي الذي رأى فيه قوة الردع والدرع الواقي.
حروب القيصر
بدت رؤية بوتين لكل ما يجري على أطراف روسيا كونها محاولة غربية لتطويقها وعزلها بالثورات الملونة وبحلف الناتو، وهو ما يستوجب حماية أمنها بالقوة، وهكذا تدخل الجيش الروسي مجددا في الشيشان عام 1999 (وبوتين كان رئيسا للوزراء) وانتهت العمليات العسكرية رسميا 15 أبريل/نيسان 2009، كما تدخل الجيش الروسي في جورجيا في أغسطس/آب 2008.
وفي مارس/آذار 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إثر اندلاع احتجاجات في أوكرانيا أدت إلى خلع الرئيس الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش. وقال بوتين وقتها: “لدينا كل الأسباب لنفترض أن السياسة الشائنة لاحتواء روسيا، والتي كانت متواصلة من القرن الـ18 ومستمرة اليوم.. إنهم يحاولون باستمرار أن يدفعونا إلى الزاوية”.
ومن زاوية تعلقه بالتاريخ والأيديولوجيا الروسية ورؤيته للصراع مع الغرب، كانت ردود فعل بوتين دائما قوية وعنيفة تجاه دول الجوار والفضاء السوفياتي السابق التي حاولت الخروج عن طوع روسيا، إذ تراوح مصيرها بين التقسيم أو اجتثاث جزء من أراضيا (جورجيا وأوكرانيا).
ومن هذه الزاوية أيضا تدخل الجيش الروسي في سوريا في سبتمبر/أيلول 2015، للحفاظ على منفذ إلى المياه الدافئة وتأسيس وجود دائم بسواحل البحر المتوسط (في قاعدتي طرطوس وحميميم)، وقال مستشار الأمن في مجلس الدوما الروسي ألكسي بلوتنيكوف آنذاك إنه “قرار إستراتيجي لحماية أمن ومصالح روسيا بمنطقة الشرق الأوسط، ولمواجهة محاولات الغرب للهيمنة على المنطقة”.
بدا بوتين في هذا السياق كأنه يطبق فكرة منظّر “العقيدة الأوروآسيوية” ألكسندر دوغين التي أوردها في مقال مطول بعنوان “نحو إمبراطورية روسية جديدة” قال فيه “إن “الإمبراطورية الجديدة يجب أن تقام دفعة واحدة كإمبراطورية، ولا يجوز إرجاء هذه العملية إلى الأفق البعيد أملا بتوفر الظروف الملائمة في المستقبل”.
ومن منطلق هذه العقيدة أيضا وباعتبار “أن كل حرب تلد أخرى” تدخل الجيش الروسي في فبراير/شباط 2022 في أوكرانيا وضم شرقها، وحضر التاريخ أيضا حين قال بوتين: “إن أوكرانيا دولة مصطنعة أنشئت بناء على رغبة جوزيف ستالين ولم تكن موجودة قبل عام 1922”.
وبعد عامين من الخسائر الفادحة للطرفين وصلت فيها الحرب إلى ذرى التصعيد والتهديد بالسلاح النووي وانقسام دولي غير مسبوق وتحالف أميركي أوروبي لمساعدة أوكرانيا وهزيمة روسيا، يصر بوتين على أن تلك الحرب لا تقبل الهزيمة وهي “مسألة حياة أو موت بالنسبة لروسيا وقد تحدد مصيرها”.
ويرى محللون أن نتيجة الحرب ستحدد فعليا مصير ومستقبل روسيا وأوكرانيا معا والتوازنات العالمية برمتها. ويستمر بوتين في خوضها رغم ما تبين من هشاشة الجبهة الداخلية في بعض الفترات والقصور العسكري أحيانا وأزمة انشقاق وانقلاب زعيم مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، مدفوعا بنتيجة الانتخابات الحاسمة لصالحه والإنهاك الغربي الذي نجم عن طول الحرب وتخلخل الجبهات الأوكرانية.
ومع استمرار الحرب وتقلباتها، ما زال الغرب محتارا في شخصية بوتين بين ذلك الشخص النرجسي المتعجرف الذي يظهره الإعلام الروسي وهو يداعب نمرا أو يمارس رياضة الجودو أو يسبح في مياه متجمدة أو يحمل بندقية صيد وهو عاري الصدر أو يقود قاذفة “تو 160” النووية، وبين ذلك الرجل “القاتل والمجنون” كما يصفه الرئيس الأميركي جو بايدن، و”المستبد القاسي” الذي لا يتوانى عن تسميم وقتل معارضيه، والمغامر الذي يغزو دولا ويهدد باستعمال السلاح النووي.
وفي كتابه “سيكولوجية الجواسيس والتجسس” الصادر عام 2022، يرى البروفيسور النرويجي أدريان فرنهام أستاذ علم النفس في كلية الأعمال في أوسلو أن بوتين هو “ضحية لدعايته الخاصة، فهو يستمع إلى عدد محدد من الأشخاص ويصم أذنيه عمن عداهم، وذلك يعطيه رؤية غريبة للعالم”، وقلة فقط في الغرب يرونه زعيما يسعى للحفاظ على أمن روسيا واستعادة التوازن الدولي ولاعب شطرنج ماهرا على رقعة الخريطة الجيوسياسية العالمية التي تحتمل صراعات ساخنة أحيانا في سبيل تثبيت حقائق الجغرافيا والتاريخ.
وبقطع النظر عن نتائج الحرب في أوكرانيا، ستكون معضلة روسيا وفق المحللين فيمن سيخلف بوتين، ذلك “الوطني القوي” أو “المستبد المغامر” في غياب المؤسسات الحقيقية الفاعلة وندرة من يمتلكون الكاريزما، وقد أثبتت التجارب السياسية المختلفة عالميا أن غياب القائد الكاريزمي الذي يحتكر بشكل ما كل السلطات يؤدي غالبا إلى تفكك في أوصال الدول.
ومهما يكن الخلاف حول شخصية بوتين ونوازعه النفسية وعقده سياساته وما قد يحصل في روسيا، سيظل لاعب الجودو المسكون بهواجس القياصرة العظام والحامل للزر النووي لسنوات عديدة قادمة عبئا ثقيلا على صدر الغرب.