في العاشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، كانت مناطق الشرق الليبي على موعد مع العاصفة الشبيهة بالإعصار “دانيال” التي أسفرت عن فيضانات غيرت ملامح مدينة درنة لما خلّفته من دمار واسع أودى بحياة الآلاف، لتكون تلك الكارثة أسوأ الكوارث الطبيعية التي وقعت في تاريخ البلاد.
في ذلك التاريخ اجتاحت العاصفة مدن بنغازي والبيضاء والمرج وسوسة، بالإضافة إلى مناطق أخرى، بينها درنة التي كانت المتضرر الأكبر جرّاء انهيار سدود كانت تحبس المياه في “وادي درنة” الضخم.
وأحدثت العاصفة أزمة كبيرة لدى سكان المدينة نتيجة تأثيرها المدمر، حيث واجه الأهالي العديد من الصعوبات خلال النزوح بحثا عن مأوى، نتيجة الأضرار الواسعة التي لحقت بالبنية التحتية وتوقف أكثر من نصف المرافق الصحية عن العمل جزئيا أو كليا.
حصيلة وأرقام
وفي حين لا توجد حتى اليوم حصيلة نهائية لضحايا فيضانات شرق ليبيا، إلا أن عدد القتلى وصل حتى الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول إلى 4333، وفق منظمة الصحة العالمية، التي أوضحت أيضا أن المفقودين المسجلين بلغوا 8500 شخص.
وبين فترة وأخرى، تعلن السلطات عن انتشال عدد إضافي من جثث ضحايا الفيضانات، التي تخضعها لفحوصات الحمض النووي في محاولة لتحديد هوية أصحابها قبل الشروع بدفنها، غير أن العديد من الجثث اعتبرت لأشخاص مجهولي الهوية، علما أنه يوجد قوائم بأسماء مفقودين حتى الآن.
وكانت التقديرات المحلية أشارت إلى أن 8% من سكان درنة الليبية قتلوا أو فقدوا في الفيضانات، وربع أحيائها مُسح من الخريطة، في مدينة يقدر عدد سكانها بنحو 200 ألف نسمة.
أضرار وميزانية
بدورها، قدرت مصلحة الطرق والجسور بوزارة المواصلات بحكومة الوحدة الوطنية، رسميا، نسبة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في المناطق المنكوبة شرق البلاد بنحو 70%، مشيرة إلى انهيار 11 جسرا جراء السيول، منها اثنان يربطان درنة بمدينتي سوسة والقبة، و6 أخرى داخل درنة، و3 جسور في الطريق الممتد بين مدينتي شحات وسوسة.
ونشرت منصة “حكومتنا” (حكومية) تقريرا “مبدئيا” لجهاز مشروعات الإسكان والمرافق بحكومة الوحدة الليبية جاء فيه أن “عدد المنازل المتضررة نتيجة السيول والانجرافات في المناطق المنكوبة بالجبل الأخضر يقدر بحوالي 5 آلاف منزل”، وهو عدد كبير في ليبيا بالنسبة للتقارير التي تشير إلى وجود 6 آلاف منزل في درنة.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أقر مجلس النواب الليبي ميزانية للطوارئ تقدر بـ10 مليارات دينار ليبي (ملياري دولار)، وذلك لمواجهة آثار الفيضانات وإعادة تأهيل المدن المنكوبة، وفق تصريح سابق أدلى به البرلماني الليبي محمد تامر لوكالة الأناضول.
دمار وتأثيرات
وقالت مسؤولة التواصل والإعلام بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في ليبيا أمل البرغوثي، إن “البلاد واجهت أشد العواصف فتكا في تاريخها المسجل، حيث ألحقت دمارا غير مسبوق شرق البلاد، خاصة في مدينة درنة التي دمّر الإعصار 30% منها”.
وأضافت البرغوثي في حديثها أن: “العاصفة المدمرة تسببت بنزوح حوالي 45 ألف شخص بينهم أكثر من 16 ألف طفل”.
وتابعت: “أظهر 67% من الأطفال في درنة تغيرات سلوكية سلبية منذ الكارثة”.
وأشارت إلى أن “هناك 9 مدارس في درنة تقدم خدماتها لحوالي 4500 طفل لا تزال مغلقة، بينما تواجه المدارس التي أعيد فتحها مستويات عالية من الاكتظاظ”.
وحول الاحتياجات الضرورية لمدينة درنة، قالت إنه “مع اقتراب عام 2023 من نهايته، يتحول تركيز اليونيسيف في المناطق المتأثرة بالفيضانات من الاستجابة الطارئة إلى جهود التأهيل والإصلاح المبكرة وإعادة الإعمار”.
وأضافت البرغوثي: “تستوجب خطة الاستجابة مبلغ 26.5 مليون دولار حتى يونيو/حزيران 2024، ولا تزال اليونيسيف تواجه فجوة في الدعم تقدر بحوالي 11 مليون دولار”.
صعوبات وتأثيرات
في المقابل، قال الكاتب الصحفي الليبي هشام الشلوي، إن “الأوضاع بصفة عامة في مدينة درنة ما زالت صعبة جدا، وهناك صعوبات جمة تواجه المنكوبين”.
وأضاف الشلوي في حديثه للأناضول: “يعلم الجميع أن الكارثة مهما كان حجمها أو مهما كانت آثارها فإن التأثير الإعلامي يبقى له الدور الأكبر في إبراز تلك الكارثة”.
وتابع: “عندما كانت درنة هي العنوان الأول لدى كل وسائل الإعلام كان هناك اهتمام كبير بها أما الآن فهي أصبحت شبه منسية، نظرا لتغير عناوين الصحف المحلية والعالمية، خاصة تلك التي اتجهت صوب العدوان الإسرائيلي على غزة والعناوين المحلية التي اهتمت بتفاصيل أخرى سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية وابتعدت كثيرا عن درنة”.
وقال الشلوي إن “كارثة الفيضانات التي حلت على درنة ومدن الشرق الليبي ليست الأسوأ في العام الحالي فقط بل الأسوأ في تاريخ ليبيا منذ تأسيسها عام 1951، من حيث حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية المهترئة والضعيفة، التي لم تشهد أي تطوير منذ عشرات السنوات أو من ناحية أعداد البشر الذين لقوا حتفهم في تلك الكارثة”.
كارثة كبيرة
وأضاف: “الكارثة كبيرة جدا وهي أسوأ الكوارث التي مرت بها ليبيا استنادا إلى البنية التحتية التي دمرت واستناداً على إعداد الضحايا”.
وأشار إلى أن “مدينة درنة لا تهم بشكل كبير صانع القرار سواء في العاصمة طرابلس أو في مدينة بنغازي لأنها ليست من ضمن اهتمامات الحكومتين إلا فيما يتعلق بكيفية جني ثمرات الفيضانات من مشاريع إعادة الإعمار وتسابق الدول الإقليمية والدولية”، وفق تعبيره.
وتشهد ليبيا صراعا على السلطة بين حكومة عيّنها مجلس النواب مطلع 2022، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.
وبحسب الشلوي: فإن “الانقسام السياسي يمنع وجود رؤية إستراتيجية حقيقية وواقعية ليس فقط لإعادة بناء تلك المدن أو ما تضرر منها وإعادة بناء وتأهيل ما تضرر منها، بل يعيق أيضا وضع خطط حقيقية وجادة لتوقي حدوث مثل هذه الكوارث”.