يؤمن الرئيس التونسي المنتهية ولايته قيس سعيّد والمرشح لولاية ثانية في الانتخابات المقررة الأحد في تونس بأنه مؤتمن على “مهمّة إلهية” لإنقاذ بلاده من “المؤامرات” الخارجية، وذلك حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وضمن التقرير، تقول الوكالة إن سعيّد ذا القامة الطويلة النحيفة والشعر الخفيف لم يقم بحملة انتخابية، ويعوّل على زيارات سابقة قام بها بصفته رئيسا إلى الأحياء أو المناطق المحرومة حيث ندّد مرارا بصوت عال يغلب عليه الغضب والتشنج “بالمؤامرات” التي يحيكها “أعداء تونس” في الداخل والخارج.
وانتخب سعيّد (66 عاما) انتخابا ديمقراطيا في عام 2019 بعد أن رفع شعار “الشعب يريد”، وعبّر طيف واسع من التونسيين عن ابتهاجهم عندما منح نفسه صلاحيات كاملة في 25 يوليو/تموز 2021 لمحاربة الفساد.
لكن بعد مرور 3 سنوات، تندّد منظمة العفو الدولية “بتراجع مقلق في الحقوق الأساسية في مهد الربيع العربي” و”بالانحراف الاستبدادي”، مع تراجع على مستوى إنجازات الثورة التي أطاحت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في عام 2011.
اعتقالات متتالية
ويندّد معارضون وناشطون تونسيون بحملة القضاء التونسي ضد شخصيات سياسية من الصف الأول ورجال أعمال وإعلام حاولوا تشكيل جبهة معارضة فاعتقلوا، وبسجن نقابيين وناشطين في منظمات المجتمع المدني وصحافيين معروفين.
ودعت 5 أحزاب يسارية تونسية معارضة إلى مقاطعة انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها بعد غد الأحد، معتبرة أنها ليست ديمقراطية، وعبّرت الأحزاب الخمسة، وهي: “العمال” و”التكتل” و”القطب” و”المسار” و”الاشتراكي”، عن موقفها من الاقتراع الرئاسي خلال مؤتمر صحفي عقدته أمس الخميس بالعاصمة التونسية وشارك فيه عدد من ممثليها.
وتتهم المعارضة التونسية الرئيس سعيد بالفشل على كل الأصعدة، حيث تراجع النمو الاقتصادي تراجعا حادا وزادت معدلات البطالة والغلاء، وذلك بالتوازي مع تصاعد استهداف المعارضين. وفي المقابل، يقول الرئيس إنه ماض في ما يسميها “حرب تحرير” البلاد من “المتآمرين والفاسدين”.
وأقصت هيئة الانتخابات (المعينة من قبل الرئيس) 3 منافسين بارزين هم: الأمين العام لحزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، والمنذر الزنايدي وهو وزير سابق بعهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وعماد الدايمي مدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي. وعلى الرغم من أن المحكمة الإدارية قضت بإعادتهم للسباق، فإن هيئة الانتخابات رفضت تطبيق القرار.
أياد خفية
وضمن تقرير وكالة الصحافة الفرنسية، يصف صلاح العسالي (45 عاما)، الميكانيكي في منطقة أريانة حيث كان سعيّد يقطن، لوكالة فرانس برس، سعيّد بأنه “شخص جاد يعمل كثيرا، لكن الأيادي الخفية تعوقه باستمرار”. أما عماد المحيمدي النادل في مقهى يتردّد إليه سعيّد منذ أكثر من 20 عاما حتى بعد أن أصبح رئيسا، فيقول “يواجه العديد من المشاكل والمافيا والفساد خلال حكمه، وأعاد البلاد إلى المسار الصحيح وسينطلق القطار مرة أخرى”.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، نادرا ما عقد سعيّد مؤتمرات صحفية أو مقابلات على الرغم من أن التونسيين عرفوه من خلال مشاركاته السابقة في البرامج التلفزيونية والإذاعية طوال فترة الانتقال الديمقراطي التي مرّت بها البلاد بعد ثورة 2011.
واقتصر تواصله الإعلامي على البيانات الصحفية ومقاطع الفيديو على صفحة الرئاسة بموقع “فيسبوك”، أمام المسؤولين الحكوميين. وفي غضون 3 سنوات، غيّر 3 رؤساء حكومة وأقال عشرات الوزراء.
“مهمة إلهية”
يقول الناطق الرسمي باسم منظمة “المنتدى التونسي للحقوق والحريات” رمضان بن عمر إن الرئيس “لا يؤمن بدور الوسطاء بين الشعب وبينه وهو يرى أن لديه مهمة إلهية ثورية” تتمثّل في “تحقيق إرادة الشعب”.
وفي كل مناسبة تتاح له عند لقاء الناس في الشارع، يعد سعيّد “بحرب تحرير وطني وتقرير المصير” الجديد لتونس، لكن أفكاره ومشاريعه تظل غامضة وغير واضحة المعالم.
يتحدّث سعيّد “إلى الناس بلغة لا يفهمها إلا هو”، وفق ما يقول الكاتب يوسف الصديق عالم الأنثروبولوجيا الذي عندما التقى به بانتظام قبل انتخابات عام 2019 أذهله بلطفه وبقدرته على الإصغاء، وهو “ما يتناقض اليوم مع الصلابة” التي يظهرها.
يتمسّك سعيّد في خطاباته بمبدأ السيادة ولا يتردّد في انتقاد المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي الذي رفض “إملاءاته” كما رفض قرضا بقيمة ملياري دولار، أو المجتمع المدني التونسي الذي يتهمه “بتلقّي مبالغ هائلة من الخارج”.
يرى أن معالجة الأزمة الاقتصادية تمرّ ببعث “الشركات الأهلية” واستئناف نشاط إنتاج مادة الفوسفات و”التعويل على الذات”.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى علل كبيرة تعرقل الاقتصاد التونسي تتمثل في تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة (16%) والديون الثقيلة (80% من الناتج المحلي الإجمالي).
ولد سعيّد في 22 فبراير/شباط 1958 بمنطقة بني خيار (وسط شرق) في أسرة محافظة من الطبقة المتوسطة، ودرّس القانون الدستوري حتى تقاعده في عام 2018.