في إسرائيل تعتبر الأكاذيب صناعة، وهي سلعة رائجة للغاية، فأي شخص يريد أن يقول الحقيقة يعتبر جزءا من صانعي الاكتئاب المثبطين، من أمثال اليساريين وهآرتس ومن على شاكلتهم من متصيدي الأخطاء.
هذا ما قاله كاتب إسرائيلي بصحيفة هآرتس الإسرائيلية، مشيرا إلى أن الهدف الأساسي من ظهور المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري هو “وضع أحمر الشفاه على الهراء”، وعلى من يصدقه أن يتذكر “النشوة التي شعرنا بها بعد أن ضربنا أنفاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة في مايو/أيار 2021″.
وذكّر حاييم ليفينسون بذلك القصف قائلا “بعد ظهر أحد أيام مايو/أيار من عام 2021، وخلال عملية في قطاع غزة، نشرت رسالة صوتية على مجموعة كبيرة جدا على تطبيق واتساب، ونُسبت هذه الرسالة إلى قائد القوات الجوية الإسرائيلية آنذاك، عميكام نوركين، وصف فيها، كما يُزعم، عملية قصف أنفاق حماس في غزة”.
كذب
وتابعت الرسالة تقول: “الليلة الماضية، قلب الجيش الإسرائيلي كل شيء رأسا على عقب. لقد مزقناهم وحولناهم إلى أشلاء في واحدة من أكبر عمليات القوات الجوية على الإطلاق، حيث أرسلنا 160 طائرة في أقل من نصف ساعة إلى مساحة ضيقة جدا، وهي واحدة من أكثر المناطق ازدحاما في العالم. قضينا على 450 مقاتلا مسلحا ودمرنا جميع أنفاقهم وحفر إطلاق النار، وما زالوا لم يفيقوا من هول ما فعلنا بهم”.
وعلق الكاتب على ذلك بقوله إنهم يريدون إقناعنا بأن جيشنا هائل، وأن قوتنا الجوية ليس لها مثيل في العالم، وأن “حماس” تلقت ضربة قاتلة، وهذه كلمة يحبها الإسرائيليون، وهم يحبون أيضا كلمة أخرى وهي “الردع” كما في قولهم: “لقد حققنا الردع”.
وأبرز الكاتب أن السياسيين وجنرالات الاحتياط والصحفيين كلهم أجمعوا على تأكيد تلك الأكاذيب إلى أن جاءت عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول لتفند كل ذلك، “لكن لا يمكننا أن نلوم إلا أنفسنا، فنحن الإسرائيليين شعب يحب أن يُكذب عليه”، وفقا للكاتب.
وهذا ما جعل ليفينسون يحدد المهمة الأساسية للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في “وضع أحمر الشفاه على الهراء”، إذ “في نهاية المطاف، لا أحد يريد أن يسمع أن لدينا جيشا متواضعا ذا أجهزة استخباراتية فاشلة، جيش ركَّعته مجموعة إرهابية”، على حد زعمه.
هلوسة
وتساءل الكاتب “ما الذي لم يقولوه لنا وأي هلوسة لم يرووها عن قصف الأنفاق في مايو/أيار 2021؟”، ليضيف أن المسؤولين الإسرائيليين وصفوا تلك العملية بأنها رائعة بشكل لا يضاهى.
وهنا نصح الكاتب إسرائيل بإعادة تأهيل نفسها من أشياء كثيرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وخاصة “الكذب على أنفسنا”، قائلا: “نحن نستمتع بحملات العلاقات العامة ومقاطع الفيديو والرسائل، لكننا نتجاهل أننا الجمهور المستهدف الوحيد، وليس من في الخارج”.
ولمدة 15 عاما، يقول الكاتب، ظل لدينا رئيس وزراء يتفنن في الكذب، ويمكن للإنسان أن يتفهم الميل البشري إلى الاعتقاد بأن كل شيء جيد، وليس سيئا، ورغبة الناس في السماع عن طائرات القوات الجوية المذهلة، والذكاء الاصطناعي، وقراصنة الإنترنت، والقوات الخاصة.
ومن المطمئن، يضيف ليفينسون، أن نحلم باغتيال الموساد لرئيس البرنامج النووي الإيراني، كما أنه من الممتع أن نستيقظ على محللين سعداء أكثر من أن نستيقظ على النقاد المتشائمين الذين يخبروننا أن الجيش الإسرائيلي غير مستعد للتصعيد، وأننا لسنا أقوياء بالطريقة التي نود أن نكون بها، وأن قادتنا في مكان ما بين المستوى المتوسط والفشل.
لكنه يؤكد أن تعاطي المخدرات له ثمن، ففي اليوم الذي تنتهي فيه مادة الاستهلاك تبرز فيه الحاجة لإعادة التأهيل، في إشارة إلى أن الكذب حبله قصير وبيع الأوهام لا بد أن ينفضح يوما ما.