سلط كتّاب من الصحف العبرية اليوم الأربعاء الضوء على قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية بوجوب تجنيد الحريديم في الجيش، وحرمان المدارس الدينية من الحصول على تمويل حكومي إذا لم يلتحق طلابها بالخدمة العسكرية.
واعتبر كاتب أن الجمهور محبط ولن يقبل ما سماه التجنيد الرمزي لهذه الفئة، في حين رأى آخر أن القرار محاولة دراماتيكية لإعادة دولة إسرائيل إلى المسار المنطقي، وحذر ثالث من أن عدم صدور هذا القرار وتطبيقه سيشكل خطرا وجوديا على إسرائيل.
لا للتجنيد الرمزي
وقال عاموس هرئيل الكاتب في هآرتس إن قرار قضاة المحكمة العليا بالإجماع يشير إلى أن “الحاجة العملياتية وتكلفة الحرب تتطلبان زيادة في نطاق التجنيد للجيش الإسرائيلي كمعيار أخلاقي ولاعتبارات مهنية وعملياتية، ولا يرتبط هذا بالحرب في غزة وخطر اندلاع حرب أكبر في لبنان فحسب، بل يرتبط أيضا بإدراك مفاده أن إسرائيل من المتوقع أن تواجه على الأقل عقدا من التحديات الإقليمية المتفاقمة، مثل تعزيز إيران وبنائها “حزام النار” بتسليح المليشيات حول حدود إسرائيل، وأيضا إلى حقيقة أننا وقعنا في ضعفنا قبل 8 أشهر ونصف”.
وتحدث المحلل العسكري بشيء من التفصيل عن الأعداد المطلوبة للجيش الإسرائيلي، وقال “في مناقشات داخلية قدّر ممثلو الجيش الإسرائيلي أنهم بحاجة الآن إلى 8 آلاف جندي بشكل فوري، نظرا لثقل المهام وبسبب الخسائر والاستنزاف الذي تعرضت له الوحدات النظامية في الحرب الطويلة”.
وأشار إلى أن “الاتصالات مع الحكومة ومكتب المدعي العام جارية الآن للتعامل مع تجنيد 3 آلاف جندي أرثوذكسي متشدد، بالإضافة إلى تجنيد الشباب الذين تركوا المدارس، حيث أوضح المستشار القانوني للحكومة غالي بيهارف ميارا أمس أن الـ3 آلاف هو رقم أولي فقط ولا يعكس بشكل كامل احتياجات الجيش، وسيكون من الضروري زيادته في المستقبل”.
لكن هرئيل حذر في هذا السياق من أن “الجيش سيخطئ إذا انضم إلى مناورة أخرى طبخها الكنيست والحكومة واكتفى بمطلب التجنيد المحدود هذا، لأن ذلك سيؤثر سلبا على الجنود في الميدان”.
وبشأن سيناريوهات ما بعد القرار، قال “يبدو أن بقاء الائتلاف يواجه خطرا ما من جهتين، فأولا: قد تتوسع الحركة الاحتجاجية المطالبة بإجراء انتخابات، في ظل الغضب السائد في قطاعات من الجمهور بسبب عدم المساواة في التوظيف، والأمر الثاني وربما الأهم هو أن اليهود المتشددين أنفسهم يشعرون بالقلق، من الممكن أن كل ما هو مطلوب في النهاية هو حاخام واحد من اليهود الأشكناز المتشددين يستمع إليه أحد أعضاء الكنيست من يهدوت هتوراة، لتحفيز الحاخامات الآخرين وأعضاء الطائفة على التفكير في حل التحالف طويل الأمد مع الليكود”.
خطر على وجودنا ذاته
أما بن كسبيت الكاتب في صحيفة معاريف فقد بدأ بانتقاد اليهود المتشددين، وقال “في عالم تم إصلاحه، حيث يتساوى جميع الناس وتكون المصلحة العليا هي وجود الدولة وأمنها وليس الائتلاف الحكومي كان ينبغي على اليهود المتشددين أن يعلنوا طوعا في اليوم التالي لـ7 أكتوبر أنهم يدركون حجم التحدي وأن ينضموا إلى شعب إسرائيل ويفرضوا على أنفسهم واجب التجنيد في جيش الدفاع الإسرائيلي”.
وأضاف “نحن على علم أن إيران تستمد تشجيعا كبيرا من النجاح الهائل الذي حققته قوات النخبة منذ 7 أكتوبر من أجل تطوير وتعزيز خطتها لتنفيذ الانقلاب النهائي علينا، ولذلك فإن قرار المحكمة العليا قد يكون أول أنباء سيئة تتلقاها إيران منذ 7 أكتوبر، إن انضمام قطاع يضم أكثر من مليون شخص إلى جهود الدفاع عن إسرائيل يشكل خبرا صعبا لكل من يدافع عنه”.
ولم يكتف الكاتب بمهاجمة اليهود المتشددين فقط بسبب رفضهم قرار المحكمة، ولكنه وجه الاتهام إلى وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي إدلشتاين، مشيرا إلى أن “غالانت كان أول من أعلن أنه لن يطرح قانون التجنيد الإجباري نيابة عن المؤسسة الأمنية دون إجماع واسع النطاق، أما إدلشتاين فهو الآخر فقد انضم إليه وقام بالإعلان بنفسه عن قانون التجنيد الذي يُبحث في لجنته”.
وأضاف “هذان الإعلانان اللذان قلبا بين عشية وضحاها غالانت وإدلشتاين إلى خونة وذوي عقول صغيرة سيمنعان (قيام) الوضع الذي ستحل فيه دولة إسرائيل الجديدة محل الدولة القديمة التي سمحت لسنوات لشريحة متزايدة من السكان للتمتع بإعفاء فاضح وشامل وغير قانوني من واجب المشاركة في وجود دولة يهودية في إسرائيل”.
كما هاجم آرييه درعي رئيس حزب شاس، والذي انتقد قرار المحكمة العليا عندما قال “إنه لا توجد قوة في العالم ستمنع شعب إسرائيل من دراسة التوراة، ومن حاول ذلك في الماضي فقد فشل فشلا ذريعا”.
وقال الكاتب إن المتدينين رفضوا القرار “لأن خوفهم الحقيقي ليس الإضرار بالتوراة، بل الإضرار بامتيازات هذا القطاع”.
وخلص إلى أن عدم إقرار هذا القرار كان “سيشكل خطرا على وجودنا ذاته”، وأضاف “إذا كانت إسرائيل تريد أن تحيا فإنه يتعين عليها أن تسن قانونا يقوم على مبدأ صاغه (رئيس الوزراء) بنيامين نتنياهو ذات يوم: أعط، خذ، إذا لم يعطوا فلن يأخذوا، ومن المفترض أن تنطبق هذه الأمور على جميع مواطني الدولة، من اليهود والعرب والأشكناز والعلمانيين واليساريين واليمينيين، الخدمة العسكرية أو المدنية إلزامية لكل شاب يبلغ من العمر 18 عاما، ومن لا يؤدي واجبه تنتزع منه حقوقه: لا ضمان اجتماعيا، ولا دعم دخل، ولا رخصة قيادة، ولا حق تصويت، ولا علاوات أو خصومات أو مزايا”.
سقطت خدعة
أما ناداف إيل الكاتب في يديعوت أحرنوت فقد قال “سوف نتذكر قرار المحكمة العليا باعتباره محاولة دراماتيكية لإعادة دولة إسرائيل إلى المسار المنطقي”.
ووصف إيل إسرائيل بأنها “سفينة كبيرة انحرفت منذ فترة طويلة عن مسارها ودخلت المياه إلى غرفة المحرك، والقبطان يغفو فيما يطلق العدو القذائف بانتظام”.
وبينما أكد أن “المجتمع الإسرائيلي منقسم للغاية ومشبع بالمرارة اعتبر أنه “عندما تقاتل الأمة من أجل حياتها وتتسع التحديات الأمنية الهائلة فإن هذا التفاوت العميق لا يمكن أن يصمد”.
وأضاف “سمعت كلمات الحاخام لاندو أحد زعماء الجمهور الليتواني، قبل يوم من صدور قرار المحكمة العليا كان هناك شيء مثير للاهتمام في هذه الصيغة، نوع جديد من الأرثوذكسية المتطرفة، الحاخامات الأرثوذكسيون المتطرفون الذين يتحدثون عن العلمانيين في السلطات باعتبارهم قاسين وأشرار”.
وأضاف “السلطات ليست شريرة لأنها علمانية، ولكن لأنها ترفض إعطاء الأموال من الدولة إلى العالم الأرثوذكسي المتطرف”.
وكان الزعيم الليتواني الحاخام دوف لاندو شن هجوما حادا على المحكمة العليا خلال حفل غداء لجمع التبرعات للمدارس الدينية في مدينة مانهاتن بولاية نيويورك الأميركية.
وقال الحاخام وفقا للقناة الـ12 الإسرائيلية “لقد جئنا من أرض إسرائيل، وضع طلاب التوراة هناك فظيع، الأشرار هناك والسلطات استولوا على الميزانيات التي كانت تذهب للمدارس والمعاهد الدينية، وهم في وضع ليس لديهم إمكانية للاستمرار، وقد تم إغلاق بعض الكليات بالفعل، وذلك بسبب شرور السلطات”.
ووصف الكاتب قرار المحكمة بأنه “استبعاد كامل للتمييز في التجنيد، وقال هذه هي الأخبار الجيدة، لأن عصر الخداع قد انتهى، ليس من الممكن الاحتفاظ بجيش كبير لحمايتنا في هذا الوقت الصعب، في ظل تهرب قطاعات متزايدة من الجمهور هناك العديد من الخدع الأخرى: من المستحيل أن يميز مجتمع غربي متعلم ضد أعداد كبيرة من السكان ويتحول إلى وضع يشبه العالم الثالث، أمس حاولت المحكمة العليا بالإجماع وضع حد لخدعة خطيرة، لكن هذه ليست بداية النهاية، وليست حتى نهاية البداية”.