نفذت جماعة الحوثي أكثر من 60 هجوما على السفن الإسرائيلية أو المتجهة لإسرائيل منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بالبحر الأحمر، آخرها أمس الأربعاء وأدى إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين، وقبل أيام إلى غرق أول سفينة، وسط توقعات برد أميركي بعد توعد بالمحاسبة.
وأدت هجمات الحوثيون إلى تقويض الملاحة العالمية عبر البحر الأحمر الذي يعد أحد أكثر الممرات المائية التجارية ازدحاما في العالم، والذي يربط آسيا بأوروبا وخارجها عبر قناة السويس في مصر، وذلك في محاولة منهم لدعم الفلسطينيين بالعدوان الإسرائيلي المستمر والمدعوم أميركيا على قطاع غزة ومحاولة للضغط لإدخال المساعدات وإنهاء الحصار.
ودفعت الاستهدافات المستمرة لسفن الشحن عبر باب المندب والتي أسفرت عن قتلى للمرة الأولى باستهداف سفينة يونانية قبالة عدن، الناطق باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر للتوعد اليوم الخميس بمحاسبة الحوثيين دون توضيح كيف ستكون “هذه المحاسبة”.
وأكد ميلر أن عملية ردع الحوثيين عن تنفيذ الضربات غير المسؤولة -كما وصفها- ستكون طويلة الأمد وستثمر عن إضعاف قدراتهم العسكرية.
رد تقليدي
ورغم التهديد الأميركي بالمحاسبة، يؤكد المحلل العسكري والمختص في الشؤون الاستراتيجية مهند العزاوي أن التصعيدات الأخيرة بالبحر الأحمر لن تؤدي إلى رد مختلف عما تقوم به الولايات المتحدة عادة، مضيفا أنه سيبقى بإطار الرد التقليدي بضرب منصات إطلاق الصواريخ التابعة للحوثيين باليمن.
ومنذ أن بدأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في يناير/كانون الأول الماضي بالرد على استهداف الحوثيين للسفن بالبحر الأحمر وتقويضهم الملاحة البحرية، تتركز ضرباتهم على مواقع متفرقة للحوثيين في محافظات صنعاء وعمران وتعز والحديدة، ويقولون إنها تستهدف صواريخ معدة للإطلاق، غير أنها أسفرت أحيانا عن مقتل مدنيين.
ويشير العزاوي إلى أنه من المحتمل أن تقوم واشنطن بعمليات عسكرية أكثر تستهدف الحوثيين، متحولة من الدفاع إلى الهجوم، لكنه لفت إلى أن الرد الأميركي سيكون مكلفا للجيش، باعتبار أن “منصات إطلاق الصواريخ الحوثية لا ترقى لكلفة الأسلحة الأميركية التي تضربها”.
ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ورغبة واشنطن باستغلال استهداف الحوثيين للسفن بالبحر الأحمر لصرف النظر عن العدوان، لا يبدو أن واشنطن ستلجأ لاستخدام قوتها الكاملة بالبحر الأحمر بما يأتي ضمن سياستها “باحتواء إيران”، لا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفق العزاوي.
وفي السيناريوهات المحتملة، يرى العزاوي أن الحوثيون متجهون للتصعيد بالبحر الأحمر، غير أن الرد الدولي فشل من الجوانب العسكرية، إذ يُظهر وجود تحالف أميركي بريطاني، وآخر أوروبي و”حارس الازدهار” أيضا، غياب التنسيق العسكري الدولي، مما يرجّح أن حملة ردع الحوثي دوليا لن تكون قوية.
وتأسس “حارس الازدهار” في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بمبادرة أطلقتها الولايات المتحدة، بهدف التصدي للهجمات الحوثية التي تستهدف السفن التجارية من إسرائيل وإليها عبر البحر الأحمر، غير أنه لم يلق إلا دعما محدودا.
وكان قائد الأسطول الخامس للبحرية الأميركية اللواء جورج ويكوف أكد سابقا أن الحوثيين لم تردعهم حملة الضربات التي تقودها الولايات المتحدة وتهدف إلى تدمير قدراتهم مع تزايد تأثيرهم على حركة التجارة العالمية، والذي له تداعيات على الاقتصاد العالمي.
السيطرة على باب المندب
كما يشير العزاوي إلى أنه مع استمرار التصعيد بالبحر الأحمر، من المرجح أن يتحول الحوثيين إلى قوة إقليمية تجبر الأطراف الدولية على التعامل معها، وفق وصفه.
وفي هذا الصدد، يقول الأكاديمي والباحث في الشؤون العربية حميد الشجني إن التحالفات الغربية تتذرع بالاستهدافات الحوثية للسفن التجارية التي تمر عبر باب المندب في محاولة للاستيلاء عليه.
ويضيف أن الولايات المتحدة تحاول السيطرة على باب المندب، بغرض إدارته اقتصاديا بالمستقبل، ويبرر الشجني قصف الأميركيين لأهداف حوثية بغاية تحقيق هذا الهدف على المدى البعيد.
ويرجح الشجني أن ينتهي التصعيد بالبحر الأحمر في حال توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، غير أنه يتابع أن ذلك قد لا يحدث في حال استمرت واشنطن بمحاولات السيطرة على مضيق باب المندب.
ومن المحتمل أن يبرر الغرب عموما وجوده في باب المندب بحجة حماية التجارة العالمية من ارتفاع الأسعار، وفق الشجني.
ويؤكد الحوثيون أن استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر سيتوقف حال انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في حين تصر واشنطن على فصل ما يجري بالبحر الأحمر عما يجري في غزة.