تأخذ الأرملة فائزة آسيا راحة من عملها في التجول بين الشوارع لبيع الموز، وتعيش مع أبنائها الخمسة على تبرعات الأصدقاء والجيران حيث يوفرون لها ما تحتاجه على مائدتها فتتفرغ للعبادة والعناية بصبيتها طيلة شهر رمضان الكريم.
يعتبر شهر الصيام فرصة لتوطيد قيم التسامح والبذل بين المسلمين في كينيا، فتنتشر خلاله مظاهر التعاون والتقرب إلى الله.
ورغم أن دخول الدين الإسلامي وانتشاره بين مختلف الجهات والأعراق المكونة للدولة قديم، فإن معتنقيه لا يزالون يصنّفون ضمن الأقليات الدينية.
وتنتشر المظاهر الإيمانية على شوارع المدن التي يوجد فيها المسلمون أثناء شهر رمضان الكريم، وتحترم الدولة تلك الأجواء التي تُسعد الكثير من أبنائها.
وقد بثت الجزيرة الوثائقية فيلما بعنوان “رمضان في كينيا” سلطت فيه الضوء على جهود المسلمين في إحياء شهر الرحمة والغفران واستلهامهم لمعاني الإنفاق والتعاون على البر والتقوى.
الإسلام ينتشر
يعتبر الإسلام من أقدم الديانات التي عرفها الشعبي الكيني منذ قرون سلفت، ذلك أن المدن المتاخمة للمناطق الحدودية مع الصومال دخلها الدين في القرن الهجري الأول، ليزيد انتشاره في المناطق الأخرى بعد ذلك بفترات متقاربة.
وتصنف العاصمة نيروبي والقرى الواقعة في غرب الدولة وجنوبها من أكثر الأماكن التي ينتشر فيها الإسلام.
ورغم كثرة المراكز الدعوية وتشييد المساجد فإنهم يحتاجون لمن يعلمهم أمر دينهم، فغالبية المسلمين يعتنقون الدين تقليدا لما وجدوا عليه آباءهم، ويجهلون حقيقة الإسلام وأحكامه.
وفي مدينة مومباسا جنوب كينيا يشكل المسلمون النسبة الأكثر من السكان حيث يزيد عددهم على 80%.
ولا تتجاوز نسبتهم 15% من سكان مدينة كيسومو ذات المساجد المنتشرة التي تتعالى منها أصوات المؤذنين بالنداء على الصلاة في جميع الأحياء.
ومن معهد أم سلمة الخاص بتعليم البنات في نفس الولاية ترتفع أصوات النساء بتلاوة القرآن الكريم، ويحتوي المركز على أقسام متنوعة بين الحفظ والعقيدة والأحكام.
الدعوة والإنفاق
بحلول شهر رمضان الكريم تشهد الأجواء الكينية حركة وانتعاشا للهيئات الدينية وتبدأ مظاهر الإسلام تضع بصماتها على الشارع.
يكثِرُ المسلمون الخُطا نحو المساجد خلال فترة الصيام، وبين مواقيت الصلاة يرابطون على قراءة القرآن.
وعند مداخل أماكن الصلاة تقام مأدبات سواء العاكف فيها والبادي، وعلى هامشها تتلى الأدعية ويلتمس الحضور البركة من هذه الجلسات.
مسجد إبراهيم واحد من أهم المساجد وأكبرها في العاصمة نيروبي، وتعمل به فرق متطوعة لتقديم وجبات الإفطار والسحور، ويقوم القائمون عليه بجمع التبرعات من المصلين.
مجالس العلم وحلقات الذكر وتلاوة القرآن في بيوت الله مظاهر ربانية تعوّدها المسلمون في العاصمة نيروبي طيلة الشهر الفضيل.
ويَلْقَى حفظة القرآن الكريم الذين يتولون الإمامة والأدعية اعتبارا واحتراما من لدن الجميع، فيقصدهم الناس لتبيان أحكام الدين.
يشعر المسلمون في كينيا بعظمة الصيام ومضاعفة الأجر فيه، فيعملون بجد ولا يتركون بابا من الخير إلا ويطرقونه.
وتقوم الأسر بجمع المساعدات التي يتبرع بها أهل الخير والإنفاق، وتُقدم للأيتام والمساكين ويطعمون منها القانع والمعتر، فالإقبال على البذل والعطاء خلال رمضان عادة دأب عليها المسلمون في تلك الدولة.
وفي حديثه للجزيرة الوثائقية، يقول آسيف أكرم “تعودنا في نيروبي على العطاء في شهر الصيام والذي لا يعطي يخسر فرصة كبيرة، ونكثر من قراءة القرآن والصلوات في المسجد”.
إحياء الليالي
رغم أن كينيا رسميا ليست دولة مسلمة، فإنها تحترم شعور الأقلية المسلمة وتسمح لها بممارسة شعائرها دون مضايقات.
وقد تحدث للجزيرة الوثائقية عدد من المسلمين وأكدوا أنهم يحظون باحترام من قبل السلطات، ومن داخل مكاتب العمل تقدم لهم التسهيلات ويسمح لهم بالذهاب إلى المسجد أثناء وقت الدوام.
صلاة التراويح هي أبرز المظاهر الإيمانية ذلك أنها تشهد إقبالا ملفتا للانتباه، فالنساء والصبية والمسنون يملؤون باحات المساجد والشوارع المؤدية إليها.
الخُطب التعليمية والوعظية قبل الصلاة وبعدها واحدة من المظاهر الخاصة التي يتميز بها رمضان كينيا.
وتعتبر المسابقات القرآنية سمرا قرآنيا وسباقا دينيا تعوّد المسلمون على إقامته في الساحات العامة خلال ليالي رمضان.
وفي العاصمة نيروبي تقام المسابقة الرمضانية الكبرى لحفظ كتاب الله العزيز، وهي حدث سنوي مهم يشارك فيه الطلاب من جميع أنحاء الدولة، بالإضافة لمشاركين من دول مجاورة كتنزانيا وأوغندا.
وتشكل جوائز المسابقة الذي يتم الإعداد لها بشهور قبل رمضان حافزا مهما للشباب من أجل الإقبال على حفظ القرآن الكريم.
ويُفتح باب المشاركة أمام المتسابقين من كل الفئات العمرية من أجل ترغيب الجميع في حصد الجوائز.
تحدث الأمين العام لجمعية الشباب المسلم في كينيا سعيد عبيد للجزيرة الوثائقية، وقال إن المسابقة الرمضانية الكبرى تجرى قبلها مقابلات تصفية وانتقاء للطلاب الأقوياء، وهي فرصة للتعرف على الحُفاظ وأصحاب المواهب الصوتية من مختلف الجهات.
وقد ساهمت الندوات المحلية والوطنية للقرآن الكريم في زيادة العناية به، فأصبح الشباب الكيني يقبل على حفظ الذكر الحكيم.
وفي مدينة كيسومو تنظم المدارس الدينية دورات قرآنية وأنشطة دينية خاصة بالنساء خلال شهر رمضان.
وأعربت كثير من الفتيات للجزيرة الوثائقية عن سعادتهن بالانتماء للمعاهد الإسلامية حيث يعشن داخلها أجواء العبادة وروح الإسلام.
ويشكل رمضان مناسبة لصلة الرحم وفرصة لاجتماع العوائل على موائد الإفطار والاصطحاب في الخروج إلى صلاة التراويح.
وفي العشر الأواخر يزيد المسلمون في كينيا نشاطهم استعدادا للفرح بعيد الفطر المبارك الذي يشعرون فيه بفرحة انتهاء الصوم وغفران الذنوب.
وتمتلئ الساحات العامة بالمسلمين في صباح يوم الفطر المبارك لأداء صلاة العيد التي يحضرها المسلمون من كل الأماكن في الدولة، ويتطوع أصحاب السيارات بنقل المصلين من القرى والأرياف.
وتمضي أيام العيد في جو من السعادة والفرح بين المسلمين في كينيا، يتحدثون فيها عن أملهم في معاودة رمضان الذي يجسدون فيه معنى الأخوة في الدين والتعاون على البر والتقوى.