تشهد تونس موجة حر غير مسبوقة وصلت فيها درجة الحرارة إلى 50 درجة، كما سقط عشرات القتلى والمصابين بسبب الحر والحرائق في الجزائر، وتسبب انقطاع الكهرباء في حالة غضب بين المصريين.
هذا موجز تطورات اليوم على صعيد موجة الحرارة التي تضرب مناطق عديدة في العالم منذ بداية يوليو/تموز الجاري، ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا وفق ما توقعه مستشار بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
وفي تونس، اقتربت الحرارة اليوم الاثنين من 50 درجة في شمال البلاد، بزيادة تراوحت بين 6 و10 درجات عن المعدل الموسمي، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، التي أشارت إلى أن موجة الحرارة تسببت في انقطاع الكهرباء ودفعت عائلات من أحياء شعبية تفتقر منازلهم للمكيفات إلى النوم على الشواطئ خلال الليلة الماضية.
واجتاحت حرائق الغابات بلدة ملولا الحدودية، ونقلت عن شهود أن الحرائق التي اندلعت في مناطق جبلية وصلت إلى منازل بعض السكان في البلدة، وأجبرت مئات العائلات على الفرار.
وقال مسؤول في الحماية المدنية إنه تم إجلاء مئات من سكان البلدة التابعة لمدينة طبرقة السياحية، وذلك باستخدام قوارب صيادين وسفن خفر السواحل.
وعجت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات تعكس تذمر التونسيين من القيظ وشبهوا تونس “بكانون” تدفئة، على حد تعبير الوكالة الفرنسية.
لكن الخبر السعيد جاء من المعهد الوطني للرصد الجوي الذي توقع مسؤولوه أن تنخفض درجات الحرارة بحلول يومي الأربعاء والخميس المقبلين لتقترب من المعدلات العادية خلال يوليو/تموز.
أطفال تونسيون يرشون الماء على الأشجار المحترقة قرب طبرقة بالساحل الشمالي الغربي (الفرنسية)
حرائق الجزائر
وفي الجزائر المجاورة، لم يكن الوضع أحسن حالا، حيث تسببت موجة الحر التي تضرب البلاد منذ عدة أيام في نشوب حرائق غابات طالت 3 ولايات في شمالي البلاد، حسب ما ذكرته مصادر رسمية.
وتسببت الحرائق في مقتل 15 شخصا وإصابة 26 آخرين خلال ليل الأحد وصباح الاثنين، قبل أن يأتي الخبر عصر اليوم من وزارة الدفاع الجزائرية بمصرع 10 عسكريين وإصابة 25 آخرين جراء الحرائق في ولاية بجاية (شرقي الجزائر العاصمة).
وفي مساء الاثنين رفعت السلطات الجزائرية حصيلة ضحايا حرائق الغابات إلى 34 قتيلا بينهم عشرة عسكريين.
وقالت السلطات إنها زادت إلى ثمانية آلاف عدد أفراد عناصر إخماد الحرائق التي تنتشر في مناطق بومرداس والبويرة وتيزي وزو وجيجل وبجاية وسكيكدة، حيث تم بشكل إجمالي تسجيل 97 حريقا في 16 ولاية، وكان للرياح دور في تأجيج الحرائق ونقلها إلى مناطق سكنية في ولايات بجاية والبويرة وجيجل.
انقطاع الكهرباء في مصر
ونبقى في الشمال الأفريقي، لكننا نتجه إلى أقصى الشرق حيث تشهد مصر هي الأخرى ارتفاعا واضحا في درجات الحرارة، تمثل تأثيره الأكبر في ما أقدمت عليه السلطات من قطع للكهرباء بعض الوقت بدعوى الترشيد وتخفيف الأحمال.
وأكدت الحكومة المصرية -الأربعاء الماضي- بدء فترة تخفيف أحمال مؤقتة للكهرباء، نتيجة “الموجة الحارة وزيادة استهلاك الطاقة الكهربائية، وزيادة حجم استهلاك الغاز المستخدم في إنتاجها”، وفق بيان لها عبر صفحتها بفيسبوك.
وأشار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى أن خطة تخفيف الأحمال بالتناوب مستمرة حتى منتصف الأسبوع الجاري، مؤكدًا أن “الارتفاع الشديد في درجات الحرارة أحدث تأثيرات كبيرة على عدد من الدول المختلفة”.
وحسب رصد لوكالة سند التابعة للجزيرة، فقد جاء إعلان الحكومة المصرية بعد استياء عارم على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تصدرت عدة وسوم غاضبة على المنصات بسبب تكرار أزمة انقطاع الكهرباء وتأثيرها سلبًا على المواطنين.
«على #رأس_الساعة».. مواعيد #فصل_الكهرباء يوميًا 🕐⚡️ pic.twitter.com/VYUtR8IRoW
— المصري اليوم (@AlMasryAlYoum) July 23, 2023
حرب وجحيم باليونان
وخارج الوطن العربي، تواجه اليونان أياما قد تكون الأكثر سخونة في 50 عاما خلال يوليو/تموز، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن أحد الخبراء.
وأكد مدير الأبحاث في معهد البحوث البيئية والتنمية المستدامة التابع للمرصد الوطني في أثينا كوستاس لاغوفاردوس أنه استنادا إلى البيانات التي جمعها المعهد، فمن المحتمل أن تشهد اليونان موجة حارة تمتد بين 16 و17 يوما، “الأمر الذي لم يحدث من قبل في بلدنا”، حسب قوله.
وواصل عناصر الإطفاء اليوم الاثنين مكافحة حرائق الغابات الناجمة عن موجة الحر في اليونان بعد إجلاء غير مسبوق لآلاف السياح من جزيرتي رودوس وكورفو.
وأدى حريق كبير في جزيرة رودوس السياحية في جنوب شرق بحر إيجة السبت الماضي إلى إجلاء أكثر من 32 ألف سائح في “أكبر عملية” من نوعها “تشهدها اليونان على الإطلاق”، وسط موجة حر ممتدة، حسب ما أعلنته السلطات.
ووصف سائحون نجحوا في الفرار من حريق رودوس الوضع هناك بأنه كان “جحيما على الأرض”، وقالت سائحة ألمانية لوكالة الصحافة الفرنسية إنها قطعت مع آخرين نحو 10 كيلومترات سيرا على الأقدام مع أمتعتهم في ظل حرارة تصل إلى 42 درجة مئوية.
وأعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس -اليوم الاثنين أمام البرلمان- “نحن في حالة حرب على الحرائق (…) ما زالت أمامنا 3 أيام صعبة” بسبب درجات الحرارة المرتفعة.
وتقول وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير إن عشرات ملايين الأشخاص في النصف الشمالي من الكرة الأرضية يعانون من موجة حرّ شديد هذا الصيف، ويبدو أن العالم سيسجّل أكثر شهر يوليو/تموز سخونة في تاريخه.
ويعزو الخبراء درجات الحرارة القياسية إلى التغيّر المناخي الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري، معتبرين أن الاحتباس الحراري يلعب دورًا أساسيًا في القيظ.
وفي الولايات المتحدة، يعاني نحو 80 مليون شخص من درجات حرارة تجاوزت 41 درجة مئوية أمس الأحد خلال عطلة نهاية الأسبوع، حسب ما قالته هيئة الأرصاد الجوية.
ويُتوقّع أن تسجل فينيكس (عاصمة ولاية أريزونا) أعلى حرارة في البلد تصل إلى 46 درجة مئوية، بعدما تخطت الحرارة 43 درجة مئوية في المدينة لـ3 أسابيع على التوالي.
وقال ديفيد هوندولا مدير الإدارة المسؤولة عن مراقبة الحرارة في فينيكس لشبكة “سي إن إن” “وصلت مكالمات الطوارئ المتعلقة بالحرارة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق”.
أخبار سيئة
وفي ظل هذه المعاناة، لا يبدو أن الأخبار السيئة ستتوقف، حيث توقع مستشار المنظمة العالمية للأرصاد الجوية جون نيرن استمرار موجات الحر الشديد في جزء كبير من العالم خلال أغسطس/آب القادم، بعدما شهدت الأسابيع القليلة الماضية تسجيل درجات حرارة قياسية.
وقالت المنظمة هذا الأسبوع إنها تتوقع أن تتجاوز درجات الحرارة في أميركا الشمالية وآسيا وشمال أفريقيا والبحر المتوسط 40 درجة مئوية لعدة أيام هذا الأسبوع مع تفاقم موجة حارة.
وتشهد مناطق جنوب أوروبا موجة حارة قياسية خلال ذروة موسم السياحة الصيفي؛ مما دفع السلطات للتحذير من تزايد احتمالات التعرض لمشاكل صحية، وحتى الوفاة.
كما تسببت الحرارة العالية في اضطراب حياة ملايين الأميركيين، وتشهد أيضا منطقة الشرق الأوسط درجات حرارة مرتفعة.
وأشار نيرن إلى أن تغير المناخ يعني زيادة تواتر حدوث موجات الحر وتكرارها عبر المواسم.
ويبدو أن الأمر لن يقتصر على الآثار المباشرة، فقد حذر علماء وجمعية الحفاظ على البيئة البحرية (إم سي إس) البريطانية من أن موجة الحر في شمال الأطلسي هذا العام قد تكون كارثية بالنسبة لمخزون الأسماك التي يتم الاعتماد عليها في الغذاء والمعيشة.
وترتفع درجة حرارة سطح المحيط فوق المستوى القياسي السابق منذ مطلع مارس/آذار الماضي بمعدلات تصل إلى 5 درجات مئوية فوق المتوسط على المدى الطويل، والمصنف من قبل الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي أنه “أبعد من الحد الأقصى”.
وتتسبب ظاهرة تغير المناخ الناجمة عن السلوك البشري في زيادة درجة حرارة المحيطات التي تمتص 90% من الحرارة الزائدة الناجمة عن الانبعاثات الدفيئة.
——————
المصادر: مراسلو الجزيرة، وكالة سند، وكالات أنباء
تحرير: أنس زكي