اللقاءات بين لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا ونظام بشار الأسد، لم تسفر عن تحقيق أي خرق سياسي في حل الأزمة، وهو ما يدفع للتساؤل عن أسباب ذلك.
يأتي ذلك في وقت تناولت فيه مصادر إعلامية دولية مؤخرا بأن لجنة الاتصال العربية تتجه إلى تعليق التواصل مع النظام السوري كرد فعل على عدم الاستجابة للمطالب العربية، وعدم التقدم سياسيا وأمنيا، ورافق ذلك تصريحات لمسؤولين أردنيين تنتقد النظام السوري.
وفي مايو/أيار الماضي، قرر وزراء الخارجية العرب تشكيل لجنة اتصال وزارية تضم: الأردن والسعودية والعراق ومصر، بالإضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية لمتابعة تنفيذ بيان عمّان، ولاستمرار الحوار المباشر مع النظام السوري للتوصل لحل شامل للأزمة.
وبيان عمّان، صدر مطلع مايو/أيار الماضي، عن وزراء خارجية لجنة الاتصال العربية، بعد مباحثات حضرها وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، بالعاصمة الأردنية.
واتفق المشاركون في اجتماع وزراء خارجية لجنة الاتصال العربية، في أغسطس/آب الماضي، بالقاهرة على الحل السياسي للأزمة السورية.
وأعرب المشاركون عن تطلعهم لاستئناف المسار الدستوري السوري في سلطنة عُمان، قبل نهاية العام الجاري.
استعصاء سياسي
عبد المجيد بركات نائب رئيس الائتلاف السوري المعارض، تحدث عن موقف النظام وأسباب عدم تفاعله مع المبادرة العربية بالقول، إن الاستعصاء السياسي في العملية السياسية ربما دفع العديد من الدول لإيجاد أساليب وطرق تستطيع من خلالها حلحلة الأمور، وإيجاد تفاهمات جديدة حول الملف السوري.
وأوضح عبد المجيد أنه ربما كان ذلك من دوافع دول عربية لكي تطبع علاقاتها مع النظام، من أجل الحصول على ضمانات منه متعلقة بالداخل السوري وفي قضايا منها: العملية السياسية، وضمانات أمنية متعلقة بالدول العربية، وربما بعض الضمانات العسكرية.
ويرى أن كل هذه الضمانات التي طلبتها الدول العربية لتطبيع العلاقات مع النظام لم تُوفّر؛ “لأن النظام لا يمتلك أساسا القدرة على صناعة القرار” .
ويعتقد عبد المجيد أن النظام رهن القرار السوري لإرادة إيران وروسيا.
كما أوضح أن هذه النتجية كانت السبب الرئيس لإعادة الدول العربية تفكيرها في التطبيع مع نظام الأسد.
وأشار إلى أن هناك أنباء عن إيقاف لجنة التواصل اتصالاتها مع النظام؛ لأن الأخير لم يقدم أي خطوة، ولم يحقق أي طلب، أو استحقاق طلبته الدول العربية للتطبيع.
وحسب عبد المجيد، فإن النظام السوري أثبت أنه غير جدير أن يكون شريكا سياسيا وإقليميا أو عربيا، خاصة أنه بعد مرحلة التطبيع كان هناك تصاعد في التهديد الأمني للمنطقة العربية، بالإضافة إلى زيادة تهريب المخدرات واستعصاء زائد في العملية السياسية السورية، وعدم خضوعه لأي تفاهمات تتعلق بالعملية، خاصة اللجنة الدستورية.
وأضاف “تكلمنا في هذا الإطار مع عدد من الدول العربية، وأكدنا لهم مسبقا بأن النظام لن يقدم أي شيء؛ لأنه بالأساس لا يمتلك القدرة على صناعة القرار، ولا التحرك بحرية”.
ويوم الأربعاء الماضي، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إن عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن زادت بعد محادثات التطبيع العربي التي حدثت في جدة وعمّان مع النظام السوري.
وقال الصفدي في مقابلة صحفية، إنه يتعيّن على الحكومة (النظام السوري) التحرك وفقا لنهج خطوة بخطوة لمعالجة جميع العواقب المترتبة على 12 عاما من الحرب .
استياء كبير
من ناحيته، قال رئيس “مركز عمران للدراسات” عمار قحف، إن أنباء تعليق التواصل مع النظام صحيحة؛ لأن “هناك استياء كبيرا لدى مجموعة الاتصال العربية بسبب عدم تلبية النظام للمطالب المقدمة، والخطوات التي قدمتها الجامعة العربية”.
وأضاف عمار “لا تزال هناك مفاوضات كبيرة تجري من خلف الكواليس، حسب علمي”.
وشدد على أن النظام السوري لا يتحكم بالأمن ولا بالاقتصاد في البلاد، “وإن تحكّم فلا يريد أن يعطي أي تنازلات”.
وأشار إلى أن زيارة بشار الأسد للصين أفضل دليل على سعيه الدؤوب لفتح مسارات جديدة، بحيث لا يكون معتمدا على دول عربية، ولا على إيران وروسيا، وإنما يريد أن يدوخ الجميع ويبقى في مكانه، دون أي تنازلات ودون أي تغيير.
وتابع “المقاربة العربية تقوم على أنه بإمكانه التعديل على سلوك النظام، ولكن هذا أثبت أنه غير ممكن”.
ولفت عمار، إلى أن الدول العربية ليست على أسلوب واحد في التعاطي مع النظام، وليس هناك تطبيع بالكلمة الحرفية، بل إعادة تواصل وتفاعل مع المنظومة السورية بشتى أركانها وأطيافها، حسب تعبيره.
وفي كلمته التي ألقاها مؤخرا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال ملك الأردن عبد الله الثاني، إن مستقبل اللاجئين السوريين في بلدهم، وليس في البلدان المستضيفة .
ودعا الملك الأردني إلى توفير الدعم لهم، حتى حلول الوقت الذي يتمكنون فيه من العودة.
عدم تقدم مسار التطبيع
من ناحيته، قال مدير مركز جسور للدراسات محمد سرميني، إنه لا يوجد إعلان رسمي بتعليق لجنة الاتصال العربية التواصل مع النظام السوري، لكن تُشير المعطيات إلى عدم تقدّم مسار التطبيع أي خطوة للأمام، حيث لم يُفعّل عمل مكاتب النظام وبعثاته في مؤسسات الجامعة العربية.
ويقول محمد سرميني، إن النظام السوري لم ينفذ أيّا من المطالب التي طُلبت منه: لا من ناحية توفير الظروف لإعادة اللاجئين، أو مكافحة الإرهاب، أو الانخراط الجاد في العملية السياسية، “بل على العكس هناك مزيد من الضغوط التي يُمارسها النظام”.
ويضيف، أن النظام زاد حجم تهريب المخدرات نحو الأردن والدول العربية، بينما يقوم بخطوات شكلية حول ما يخص إعادة اللاجئين؛ كإلغاء محاكم الميدان العسكرية، على حد قوله.
ولفت إلى أن محاكم الميدان حتى بعد إلغائها لا تزال صلاحياتها موجودة لدى أجهزة ومؤسسات أخرى.
وعدّ أن سياسات النظام الحالية من قبيل استمرار رفع الدعم عن السلع والخدمات رغم الاحتجاجات في السويداء، ينذر بحدوث موجة لجوء جديدة.
وحول عدم استجابة النظام لمطالب لجنة الاتصال العربية، أفاد مدير مركز “جسور” أن ذلك يرجع إلى 3 أسباب، وهي: عجزه فعليا عن تلبيتها، وحرصه على استمرار سياسة الابتزاز، وعمله على حصر التفاهمات حول القضايا المطلوبة منه ضمن مستوى العلاقات الثنائية، وليس على مستوى الجامعة العربية، وفق تقديره.