القاهرة – “لا تشك لجنة تقصي الحقائق في أنه كان من الممكن إنهاء تجمع رابعة دون أن تسال كل هذه الدماء”. بهذه العبارة الحاسمة، أعلنت “اللجنة القومية المستقلة لتقصي حقائق أحداث 30 يونيو/حزيران 2013” موقفها بالتزامن مع إعلان نائب رئيس الجمهورية حينها محمد البرادعي تجديد رفضه إراقة الدماء في فض اعتصام “رابعة”، وسط مطالبات حقوقية بإنصاف الضحايا ومحاسبة المتورطين.
وكانت اللجنة سلّمت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التقرير يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ولم تكشف إلا عن ملخص تنفيذي له في مؤتمر صحفي روجت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة المصرية بعضَ تفاصيله التي تدين المعتصمين.
وصرح السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية وقتها، بأن الرئيس قد تسلم التقرير النهائي للجنة، ووجه بإحالته إلى مجلس الوزراء لدراسته وإرساله إلى كافة الجهات المعنية والقضائية المختصة لاتخاذ اللازم في ما جاء بالتقرير من وقائع، في حين لم تصدر أي تعليقات رسمية حتى وقت نشر التقرير، لكن عادةً مؤسسات الدولة المصرية تتبنى رواية رسمية تدين الاعتصام والمعتصمين.
5 حقائق
وكشفت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، أمس الاثنين، عن تفاصيل تقرير لجنة تقصي الحقائق بعد حصولها عليه من مصدر موثوق.
وأعرب مدير المبادرة الحقوقي حسام بهجت، في تدوينة على حسابه الرسمي على فيسبوك، عن دهشته من عدم نشر تلك الأدلة حتى اليوم، “رغم أنها ملفات لجنة مشكلة بقرار جمهوري وبمشاركة وزير العدل الحالي عمر مروان، وتسلمها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ 2014”.
وخلص تقرير اللجنة إلى 5 حقائق رئيسية، وفق المنظمة الحقوقية، هي:
- استخدام الذخيرة الحية بشكل عشوائي وغير متناسب.
- استبعاد بدائل الفض بخسائر بشرية أقل على أساس حجج واهية، ورغم وجود بدائل أخرى.
- غالبية القتلى من المعتصمين السلميين ومن المدنيين الأبرياء، وفق تعبير اللجنة.
- “الممر الآمن” لم يكن ممرا ولا آمنا، بحسب ما خلص إليه التقرير.
- ضرورة تشكيل لجنة قضائية للتحقيق واستدعاء الشهود ممن عاصروا هذه الأحداث ومن المسؤولين عنها.
من جانبه، حمّل المستشار محمد سليمان، القاضي السابق وأحد قادة “تيار الاستقلال القضائي” بمصر، النيابة العامة ونواب العموم وخاصة النائب العام الراحل هشام بركات (توفي في 2015) مسؤولية عدم التحقيق في كل ما جاء في التقرير.
وأوضح سليمان للجزيرة نت أن النيابة العامة “التي تجاهلت هذه الحقائق” أحالت عددا كبيرا من المعتصمين السلميين في “رابعة” و”النهضة” إلى القضاء “وتسببت في تطبيق أقصى العقوبات عليهم”.
ويرى سليمان أن التقرير “يكشف مدى التواطؤ الرسمي على الجريمة المنظمة التي جرت”، وفق تعبيره، محمّلا وزير العدل الحالي عمر مروان المسؤولية السياسية عن تأخير البت في تقرير اللجنة، التي كان يرأس منصب أمينها العام، خاصة بعدما علم بما انتهى إليه الأمر.
وتوفي رئيس اللجنة فؤاد رياض في يناير/كانون الثاني 2020، وكان آخر ما كتبه على حسابه في فيسبوك أن تقرير اللجنة “لا يزال طي الكتمان”.
تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان
ولم تكن “اللجنة القومية لتقصي الحقائق في أحداث 30 يونيو/حزيران” الجهة الرسمية الوحيدة التي تناولت بالتقصي أحداث فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، حيث أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان (جهة حكومية) في السادس من مارس/آذار 2014 تقريره الكامل عن أحداث الفض أيضا.
وأثبت تقرير المجلس أن “بعض المتظاهرين كانوا مسلحين وقاوموا قوات الأمن، مما اضطرها إلى استخدام القوة القاتلة”، لكنه أكد أن هناك ما وصفه بـ”انعدام التناسبية” واستخدام مفرط للقوة من قبل الأمن.
وذكر التقرير أن عدد الضحايا هو 632 قتيلا، منهم 624 مدنيا و8 من الشرطة، مؤكدا أن قوات الأمن لم تقم بتأمين “ممر آمن” لخروج المتظاهرين الراغبين في المغادرة، ولم تسعف الجرحى. ودعا المجلس إلى إجراء تحقيق قضائي مستقل، لم يجر حتى الآن.
بدوره، يرى المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان أحمد العطار أن تقريري المجلس واللجنة القومية فيهما بعض الحقائق التي تعزز توثيق المنظمات الحقوقية المستقلة للمذبحة، وتؤكد أن الانتهاكات التي تمت “شابها الترصد وسبق الإصرار والتعمد”، وتضع المسؤول عن تعطيل التحقيقات موضع الإدانة لعرقلة سير العدالة.
ويضيف العطار، في حديث للجزيرة نت، “طالما بعض المسؤولين الذين أشرفوا على الفض لا يزالون في موقع المسؤولية، سيظل تحريك الملفات من الأدراج المغلقة حلما صعب المنال، ولكن يظل دور الحقوقيين استكمال التوثيق وإعداد الملفات القانونية لحين تصحيح المسار وجبر الضرر وإنصاف الضحايا”.
لماذا الافك الفج من شخص يفترض ان يكون على دراية بالحقيقة ! نائب رئيس الجمهورية ( محمد البرادعي) اعترض على القرار ولم يكن جزءا منه كما هو مدون فى مضبطة مجلس الدفاع الوطني، واستقال يوم بدء الفض #مذبحة_رابعة https://t.co/5oRnnrImqL
— Mohamed ElBaradei (@ElBaradei) August 14, 2023
27 منظمة حقوقية
وفي الذكرى العاشرة لفض اعتصام “رابعة” الذي وقع يوم 14 أغسطس/آب 2013، دعت 27 منظمة حقوقية مستقلة إلى تحقيق العدالة للضحايا في “المذبحة” وذويهم، ومحاسبة المتورطين، والبدء في مصالحة سياسية ومجتمعية.
ومن بين هذه المنظمات: المفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ولجنة العدالة، ومركز الشهاب لحقوق الإنسان.
واستنكرت المنظمات، في بيان مشترك، مرور عقد كامل على المجزرة دون مثول أي مسؤول سياسي أو عسكري أو أمني أمام المحاكمة. وطالبت بفتح تحقيق دولي شامل ومحاسبة المتورطين، مع البدء في إجراء مصالحة مجتمعية وسياسية شاملة.
الإفلات من العقاب
وفي السياق نفسه، أدانت منظمة العفو الدولية، في بيان لها، ما وصفته بـ”الإفلات من العقاب عن القتل الجماعي لأكثر من 900 شخص”.
من جانبه، قال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان المحامي خلف بيومي إن “مرور 10 سنوات على إفلات الجُناة من العقاب يتحمله عجز القوانين الدولية والمحلية عن بسط العدالة على جناة استطاعوا بشبكات العلاقات الدولية والسياسية الإقليمية عرقلة جهود الملاحقة القانونية.. بعد غَل يد العدالة المحلية في مصر بصورة تم توثيقها في تقارير حقوقية عدة”.
ويضيف بيومي، في حديث للجزيرة نت، أن المادة 241 من الدستور المصري الحالي تلزم مجلس النواب في أول انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور في 2014 بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة واقتراح أطر للمصالحة الوطنية وتعويض الضحايا وفقا للمعايير الدولية. ولكن لم يُفعّل أي بند من تلك البنود حتى الآن.