يرى خبراء ومحللون سياسيون أن استهداف حزب الله اللبناني مدينة حيفا المحتلة يمثل تصعيدا غير مسبوق في المواجهة مع إسرائيل، ويشير إلى دخول الصراع مرحلة جديدة ذات أبعاد إستراتيجية.
ويؤكد المحللون أن هذا التطور يكشف عن قدرات متطورة لحزب الله وفشل المحاولات الإسرائيلية لإضعافه بشكل مؤثر، مشيرين في الوقت ذاته إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها إسرائيل في التعامل مع هذا التصعيد.
وأعلن حزب الله صباح اليوم الأحد أنه قصف مجمعا إسرائيليا للصناعات العسكرية في شمال مدينة حيفا بعشرات الصواريخ، في رد أولي على تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي.
وأشار بيان للحزب إلى أنه استهدف “مجمعات الصناعات العسكرية لشركة رافائيل المتخصصة في الوسائل والتجهيزات الإلكترونية والواقعة في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا بعشرات الصواريخ من نوع فادي 1 وفادي 2 والكاتيوشا”.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد حاتم كريم الفلاحي أن الضربة التي وجهت اليوم من قبل حزب الله استهدفت أهدافا ذات بعد إستراتيجي، مثل قاعدة جوية ومصانع لتصنيع أسلحة، معتبرا ذلك تطورا كبيرا جدا في عمليات المواجهة بين حزب الله وإسرائيل.
فشل أهداف إسرائيل
ويشير الفلاحي إلى أن إسرائيل كانت قد وجهت في الفترة الماضية ضربات متعددة لحزب الله استهدفت فيها العصب المركزي للتنظيم، حيث طالت هذه الضربات مقتل الكثير من القيادات وضرب مفاصل مهمة تتعلق بمسألة الاتصالات ومنظومة القيادة والسيطرة.
وكان الهدف من هذه الضربات -بحسب الفلاحي- إضعاف الروح المعنوية والقدرات العسكرية لحزب الله بشكل كبير، معتبرا أن ضربات الحزب اليوم تعطي دلالة واضحة على أن ضربات إسرائيل وإن كانت أثرت على البنية التنظيمية لحزب الله لكن الحزب استطاع تجاوزها.
ويرى الفلاحي أن تنفيذ هذه الضربات تم على الرغم من أن المنطقة تحت رقابة الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع والمسيّرة التي تنقل صورة لكل المناطق التي توجد في لبنان، وبالتالي هناك صعوبة في عملية الإطلاق والوصول.
من جانبه، يرى الدكتور علي أحمد الكاتب والباحث والمحلل السياسي اللبناني أن إسرائيل في هذه المعركة المستمرة منذ شهور مرت بكثير من المحطات التي ذهبت فيها بعيدا لتصعيد الجبهة مع لبنان، مضيفا أن المنطقة الآن أمام مشهد جديد بدأ الأسبوع الماضي.
ويعتقد أحمد أن الاحتلال اليوم أمام تحدٍ جديد في الشكل، وهو الذهاب بعيدا في حرب واسعة مع لبنان قد تذهب إلى حرب إقليمية هو ليس جاهزا لها، ويعتبر أن التكلفة عالية جدا لا يمكن تحملها، إضافة إلى أن الجدوى والأهداف التي سيضعها الاحتلال لهذه الحرب لن تتحقق.
خطط بديلة
ويشير أحمد إلى أن حزب الله كان يعرف أن إسرائيل ستذهب إلى هذا النوع من التصعيد لدخوله هذه الحرب، وأن هناك الكثير من التضحيات التي سيدفعها، فوضع خطة للتعامل معها ولتجاوز الأمر خلال ساعات.
ويرى أن حزب الله منذ اغتيال عماد مغنية اعتبر أن كل شخص في سلّم القيادة معرض للاستشهاد في أي محطة من المحطات، ومن ثم كان يعد العدة بعدد كبير من الكوادر لتكون قيادات بديلة، وهو ما ساعده على تجاوز ضربة استهداف القيادات.
أما الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى فيرى أن إدخال حيفا للمعادلة كان متوقعا لإسرائيل، فهي تعيش في وهم أنها تستطيع من خلال ضربة أو ضربتين خلال أيام أن تقضي على قدرات حزب الله.
ويضيف مصطفى أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن قدرات حزب الله كبيرة جدا، وأن لديه تجربة عسكرية كبيرة جدا وقادر على أن يرد على إسرائيل حتى حيفا جنوبا وليس شمالا فقط.
هدف سياسي
ويشير مصطفى إلى أن إسرائيل تدرك تماما أنها لن تستطيع أن تخضع حزب الله عسكريا، وأنها غير متوهمة أنها تستطيع منع صواريخ حزب الله.
ويرى في هذا السياق أن إسرائيل لا تملك رؤية واضحة لهذه العمليات العسكرية، مضيفا أن إسرائيل ذاهبة للتوسيع بهدف سياسي داخلي بحت، لأن بنيامين نتنياهو وحكومته موجودون تحت ضغط داخلي شديد جدا على نطاقين، المطالبة بتحرير الأسرى في غزة وإعادة سكان الشمال.
ويلفت مصطفى إلى أن قرابة 100 ألف إسرائيلي نزحوا عن بيوتهم وبلداتهم، وهذا عدد كبير جدا لم تعد الحكومة الإسرائيلية تتحمل ضغط استمرار نزوحهم، وكان التعويل أنه يمكن حل ذلك من خلال الاتفاق في غزة، لكن نتنياهو لا يريد ذلك، ولذلك ذهب إلى هذا التصعيد حتى يحيد هذا الضغط.
ويشير مصطفى كذلك إلى التداعيات الاقتصادية الصعبة على إسرائيل في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه، وهي تعطيل ربع القوة التشغيلية في الاقتصاد الإسرائيلي وتوقف 700 ألف موظف وعامل إسرائيلي عن العمل، وهو ما لا يمكن لإسرائيل استمرار تحمله.