في ظل استقطاب شديد في الآراء حول الحرب الإسرائيلية على غزة، كشفت عدة منظمات غير حكومية لوكالة الصحافة الفرنسية عن مخاوف من “قمع” الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية في أوروبا، إثر إلغاء فعاليات وملاحقات في حق مفكرين ونشطاء.
وقالت الباحثة في منظمة العفو الدولية جوليا هال إن “القوانين حول خطاب الكراهية ومكافحة الإرهاب تستغل لمهاجمة” الأصوات المؤيدة للفلسطينيين. وأشارت إلى أن أوروبا شهدت “سيلا من الإلغاءات وعمليات استهداف متظاهرين سلميين وأكاديميين، وكل شخص متضامن مع الحقوق الإنسانية للفلسطينيين أو ينتقد دولة إسرائيل”.
وردت إسرائيل على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستهدفت قطاع غزة بعدوان مستمر أسفر إلى غاية الآن عن استشهاد أكثر من 34 ألف فلسطيني. وفي هذه الأجواء المحمومة، غالبا ما تُتهم الأصوات المؤيدة للفلسطينيين بالتساهل مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وبمعاداة الصهيونية بشدة أو حتى بـمعاداة السامية.
والنقاش حاضر بقوة في الولايات المتحدة حيث أوقف مئات الطلاب من حرم جامعات مختلفة اعتصموا فيها للاحتجاج على الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل والكارثة الإنسانية في غزة، وذلك في خضم السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض.
أوروبا والمحرقة
وفي الاتحاد الأوروبي، اتخذت 12 دولة على الأقل “تدابير غير متكافئة، منها حظر مظاهرات على أساس خطر ظاهر على الأمن العام والأمن”، وفق ما جاء في تقرير للمنتدى المدني الأوروبي ومقره بروكسل.
ويعزى هذا “القمع للتضامن مع الفلسطينيين” إلى “الدعم الكبير” الذي توفره أوروبا لإسرائيل والمرتبط بالمحرقة اليهودية، بحسب أرتي نارسي من المنتدى المدني الأوروبي.
وفي فرنسا التي تضم أكبر جالية لليهود وللمسلمين على السواء على صعيد أوروبا، والتي تخشى ارتدادات الحرب عليها، كثفت السلطات من تدابيرها، مع حظر مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين وإلغاء مؤتمرات وتوجيه الشرطة مذكرة استدعاء في حق شخصيتين سياسيتين من اليسار الراديكالي على خلفية “تمجيد الإرهاب”.
وفي ألمانيا، حُظر قدوم وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس في منتصف أبريل/نيسان الجاري “بغية منع أي دعاية معادية للسامية ولإسرائيل”، بحسب السلطات الألمانية. وأوقفت الشرطة فعاليات “المؤتمر الفلسطيني” الذي كان من المفترض أن يشارك فيه، بعد ساعة على انطلاقها.
والوزير اليوناني مثله مثل آني إرنو الكاتبة الفرنسية الحائزة على جائزة نوبل، هما في مرمى الرئيس المحافظ للبرلمان النمسوي فولفغانغ سوبوتكا الذي يطالب بسحب الدعوة الموجّهة لهما إلى المهرجان الفني “أسابيع فيينا الاحتفالية”.
ويرفض المدير الفني للمهرجان ميلو راو الإذعان لهذا الطلب، معتبرا أن نعت الكاتبة بـ”معادية للسامية” هو “عبثي بالدرجة عينها” مثل اعتبارها “معادية لفرنسا” لأنها تنتقد حكومة بلدها.
مبرر فقد كل معناه
وأعلنت مصادر رسمية ارتفاع أعمال معاداة السامية في النمسا وفرنسا بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لكن التذرع بالتصدي لمعاداة السامية لكتم الأصوات المنتقدة للحكومة الإسرائيلية يفقد “كل معناه” لا سيما أن بعض المنتقدين هم من اليهود، بحسب جوليا هال من منظمة العفو الدولية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أوقفت إيريس هيفيتس المتخصصة في العلاج النفسي في برلين لحملها لافتة كتب عليها “بصفتي يهودية وإسرائيلية، أطلب منكم وقف الإبادة الجماعية في غزة”. وأكدت جمعية “يوديشي شتيمي” اليهودية التي تندّد بما تصفه بـ”التعاون الألماني” مع “النظام السياسي للفصل العنصري لدولة إسرائيل في الضفّة الغربية” أن حساباتها قد جمّدت.
وفي وقت كانت ألمانيا تترافع أمام محكمة العدل الدولية لتدفع عنها اتهامات نيكاراغوا لها بتسهيل “الإبادة الجماعية” في غزة، انتقدت صحيفة “تاتس” اليسارية “الرقابة والعنف” إزاء المؤتمر الذي تمّ وقفه في برلين.
وذكّرت الصحيفة بأن “ألمانيا أعلنت أن تضامنها غير المقيد مع إسرائيل هو من مقتضيات مصالح الدولة العليا”.
وبين أكتوبر/تشرين الأول 2022 وأكتوبر/تشرين الأول 2023، أحصى المركز الأوروبي للدعم القانوني في هولندا 310 “أعمال قمعية” في حق مظاهرات أو شخصيات مؤيّدة للفلسطينيين، راوحت بين “إجراءات قضائية” و”مضايقات” و”إلغاء فعاليات”.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحتى مارس/آذار الماضيين ارتفع المجموع بأكثر من الضعف إلى 836 عملا. وهذا ليس سوى “الجزء الظاهر من المشكلة”، على قول ليلى كاترمان من المركز الأوروبي.
وفي فرنسا، اعتمدت السلطات “نظاما إداريا قضائيا” يستهدف “الأشخاص الذين يعربون عن الدعم للفلسطينيين”، في حين أنه لا يطال هؤلاء “الداعمين لإسرائيل”، بحسب المحامي أرييه حليمي العضو في رابطة حقوق الإنسان. وهو وضع “مؤسف” في نظر المحامي الذي ألّف كتاب “يهودي، فرنسي، من اليسار.. في الفوضى”، إذ إن “النضال ضدّ العنصرية ومن أجل القضايا الإنسانية ينبغي أن يبقى دوما غير قابل للتجزئة”.