31/7/2023–|آخر تحديث: 31/7/202309:55 PM (بتوقيت مكة المكرمة)
توتر الوضع فجأة في البحر الأسود ووجهت روسيا هجماتها الانتقامية إلى أوديسا، منذ أن اعترفت أوكرانيا -في تحول لافت- بالهجوم العام الماضي على جسر كيرتش، الرابط المادي العملاق بين شبه الجزيرة وروسيا، ثم فجرت قبل أيام مستودع ذخيرة كبيرا في كيروفسكي غير بعيد من الجسر نفسه.
ودفع هذا التطور كثيرين -حسب تقرير لمجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية- للتساؤل عن خلفيات تركيز كييف على القرم، واعترافها رسميا بمسؤوليتها عن أول هجوم كبير على الجسر وقع في أكتوبر/تشرين الأول 2022، إذ قال رئيس جهاز الأمن الأوكراني فاسيل ماليوك إن وكالته مسؤولة عن انفجار الشاحنة المفخخة، وأضاف أن “هناك كثيرا من العمليات الخاصة المختلفة، وتدمير جسر القرم من عملياتنا”.
وقد استغرقت عودة الجسر للخدمة 4 أشهر، وهو طريق إمداد أساسي للقوات الروسية في أوكرانيا، كما اعترف مصدر عسكري أوكراني على الفور بأن “الضربة على منشآت عسكرية في إقليم القرم المحتل مؤقتا نفذتها القوات الأوكرانية”، في ما بدا أنه إسقاط لواحدة من المحرمات، إذ تهاجم أوكرانيا الآن علنا شبه الجزيرة التي ضمتها موسكو عام 2014، وتعتبرها ساحة قتال.
مصلحة إستراتيجية ورمزية
وذكرت لوبس أن القرم تشكل بالنسبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “أم المعارك”، إذ قال -فور وصوله للسلطة عام 2019- إنه يريد القتال من أجل عودة شبه الجزيرة إلى كييف، ولم يثنه “الغزو الروسي” عن تصميمه، وبعد أن أبدى لينا للتفاوض، عاد ليقول إن “هذه الحرب بدأت في شبه جزيرة القرم وستنتهي في شبه جزيرة القرم”.
وتعد القرم -حسب المجلة الفرنسية- إحدى القواعد الخلفية الرئيسية للكتائب الروسية التي تحتل مقاطعات خيرسون وزاباروجيا ودونيتسك الأوكرانية، ولذلك تحاول أوكرانيا بهجماتها المتتالية على جسر كيرتش -الذي يشكل أكثر الطرق البرية أمانا نحو الجبهة- أن تقطع طرق الإمداد عن خط الدفاع الروسي وإضعاف مقاومته لهجومها المضاد.
وذلك إضافة إلى أن لهذه الضربات أيضا وزنا رمزيا مهما، لأنها تؤكد عدم تخلي كييف عن استعادة شبه الجزيرة.
وكانت شبه جزيرة القرم منذ فترة طويلة رأس جسر لروسيا في البحار الدافئة، منذ غزوها من قبل كاترين الثانية نهاية القرن الـ18، قبل أن يتنازل عنها الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف للجمهورية الاشتراكية الأوكرانية.
ووقع وقتها خروتشوف مرسوم التنازل الذي يقول: “في ضوء التشابه في الاقتصاد والقرب الإقليمي والروابط الاقتصادية والثقافية الوثيقة بين شبه جزيرة القرم وجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية، يصدر مجلس السوفيات الأعلى قرارا بنقل شبه جزيرة القرم من جمهورية روسيا الاشتراكية إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية”.
ضوء أخضر
ولكن عندما تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991 -تتابع لوبس- أصبح مصير القرم غير مؤكد، إذ صوت 54% فقط من السكان لصالح الاستقلال عن موسكو. وفي اتفاقيات مينسك عام 2015 التي جمدت الحرب في دونباس، حصلت روسيا من فرنسا وألمانيا على ألا تظهر كلمة القرم في النص، وبدا أن شبه جزيرة القرم عزيزة على فلاديمير بوتين، إلا أن الولايات المتحدة التي تشترط في مساعدتها لأوكرانيا عدم الهجوم على الأراضي الروسية، تستثني شبه جزيرة القرم الآن.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي قبل بضعة أشهر -في ما بدا أنه إعطاء الضوء الأخضر للهجمات الحالية- إن “القرم في أوكرانيا، والأوكرانيون لديهم الحق في تحديد المكان الذي سيقودون فيه العمليات داخل بلادهم”.
في المقابل، كان الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف قد قال إن أي هجوم على شبه جزيرة القرم سيعتبر هجوما على الأراضي الروسية، خاصة جسر كيرتش وقاعدة سيفاستوبول البحرية، وهدد بأن المساس بهذه الأماكن سيؤدي إلى “يوم القيامة”.
وأوضحت المجلة الفرنسية أنه منذ ذلك الحين استهدفت أوكرانيا كلا المكانين، في ما بدا أنه “اختبار” للقدرات الانتقامية الروسية، غير أن تصعيد الأعمال الانتقامية بين كييف وموسكو في البحر الأسود، في أوديسا ومضيق كيرتش وسيفاستوبول، يمكن أن يكون له تأثير اقتصادي أكثر خطورة من مجرد تدمير موسم سياحي.
فبعد انسحاب روسيا من اتفاق صادرات الحبوب الأوكرانية، تناوبت موسكو وكييف على التهديد باستهداف السفن التي تبحر في البحر الأسود إذا توجهت إلى موانئ العدو، مما أدى إلى ارتفاع أسعار القمح والذرة في الأسواق، مع مراعاة أمن الصادرات في هذه المنطقة الحاسمة للإمداد العالمي.