قالت مجموعة الأزمات الدولية إن استعداد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية تراجع منذ الذروة التي بلغها في فترة ما بعد الحرب الباردة مباشرة، وقد يتقلص أكثر في العام المقبل.
وأضافت المجموعة -في مقال منشور على موقعها الإلكتروني بعنوان “الانقسامات السياسية تدفع إلى إعادة تقييم العقوبات الأممية” أن عقوبات الأمم المتحدة تخضع لتدقيق متزايد نتيجة تصاعد التوترات بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن.
وقالت خبيرة مجموعة الأزمات مايا أونغار إن هناك سعيا من بعض الحكومات لتقليص الإجراءات العقابية في منظومة الأمم المتحدة، في حين تقاتل أخرى من أجل الحفاظ على العناصر الأساسية في هذه المنظومة.
مجلس الأمن والعقوبات
وترى أونغار -كاتبة المقال، وهي أيضا باحثة ومحللة بيانات في الأمم المتحدة- أن نفوذ الدول التي تشكك في فاعلية أنظمة عقوبات مجلس الأمن سيزداد في عام 2025، وذلك عندما تتغير تركيبة المجلس بحلول باكستان بدل اليابان.
ويشرح المقال ذلك بأنه بالنظر إلى العلاقات الوثيقة بين إسلام آباد وبكين وميولها للتشكيك في تدخل الأمم المتحدة في الأمور التي تعد ضمن نطاق الدول ذات السيادة، من المتوقع أن تصوّت باكستان مع الصين وروسيا في العديد من حالات فرض العقوبات.
وهذا التحول في تركيبة مجلس الأمن معناه أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيجدون صعوبة في الحصول على الأصوات التسعة الضرورية للإبقاء على أنظمة العقوبات “المثيرة للجدل”، إلا إذا كانوا مستعدين لتقديم تنازلات إضافية، حسب الكاتبة.
ويشير المقال إلى أنه في السنوات الأخيرة سعت الصين وروسيا والأعضاء الأفارقة الثلاثة في المجلس إلى تفكيك نظم العقوبات القائمة بالإضافة إلى تجنب إنشاء عقوبات جديدة. وفي المقابل، يجادل أغلب أعضاء المجلس الآخرين -بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا- لصالح العقوبات كوسيلة للضغط على الحكومات.
لماذا التشكيك في العقوبات؟
ويرجح المقال أن يواجه نظام العقوبات في مجلس الأمن بعض التهديدات في المستقبل، وذلك بالنظر إلى أنواع النقد التي توجه إليه، خاصة في ما يتعلق بالتدابير المثيرة للجدل مثل حظر الأسلحة من الأمم المتحدة على جنوب السودان وليبيا (المقرر أن تنتهي في مايو/أيار 2025)، أو الأساليب المتبعة في تهدئة النزاعات.
وتذكر أونغار عدة وجوه للنقد الذي تواجهه عقوبات مجلس الأمن، ومنها:
- الدول الأكثر تأثيرا بين المتشككين، مثل روسيا والصين، تنتقد غالبا هذه العقوبات بوصفها أدوات للقوة الغربية، وذلك لأن ذروة عقوبات الأمم المتحدة تزامنت مع ذروة نفوذ الولايات المتحدة في الفترة التي أعقبت الحرب الباردة، ولا تزال الدول الغربية تحرك الكثير من دبلوماسية العقوبات في نيويورك.
- في بعض الحالات -كما في حالة التدابير الاقتصادية ضد كوريا الشمالية- تدعي بكين وموسكو أن عقوبات الأمم المتحدة تعقد جهودهما لتهدئة التوترات مع الدول المعنية وتسبب أضرارًا جانبية للمدنيين.
- النظر إلى العقوبات بوصفها انتهاكا للسيادة وتتعارض مع مبادئ عدم التدخل في شؤون الدول، ويرى عدد من المتشككين أنها وجه من وجوه التمييز والإكراه الاقتصادي، وهنا تظهر شكوك الدبلوماسيين الأفارقة بشأن عدم التشاور معهم بشكل كاف حول تأثير هذه العقوبات على البلدان المستهدفة في قارتهم.
وإضافة إلى ما سبق، فإن الأحداث الأخيرة حول العالم أسهمت أيضا في زيادة المعارضة للعقوبات. فروسيا مثلا -منذ حربها مع أوكرانيا- أصبحت أكثر استعدادًا لتعطيل أنظمة عقوبات الأمم المتحدة التي تضر بمصالح أصدقائها، وهددت باستخدام حق النقض (فيتو) ضد تجديد عقوبات المجلس على حركة الشباب المجاهدين في الصومال.
المحاباة في العقوبات
ويوضح المقال أن الانقسام بين مؤيدي العقوبات ومعارضيها في مجلس الأمن ليس دائمًا صارمًا أو واضحًا، فالدبلوماسيون الغربيون يسارعون إلى توبيخ موسكو لتسامحها مع البلدان المفضلة لديها، على الرغم من أن الدبلوماسيين المنتمين إلى ما يسمى “الجنوب العالمي” يشيرون أيضا إلى أن واشنطن ولندن وباريس “مذنبة” في منح المعاملة التفضيلية نفسها لحلفائها.
وتضرب الكاتبة مثالا على هذه المحاباة بأن واشنطن لن تسمح بفرض عقوبات على إسرائيل لعدم امتثالها لقرارين حديثين من مجلس الأمن يدعوان إلى وقف إطلاق النار في غزة، على الرغم من أن عدة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ستدعم مثل هذه الخطوة.
إصلاح نظام العقوبات
خبيرة مجموعة الأزمات تشرح أيضا في مقالها الإصلاحات التي بحثها الدبلوماسيون من أجل التدابير والطرق التي تحسّن نظام العقوبات وتسد الفجوات الموجودة فيه، ومن هذه الإصلاحات:
- وضع استثناءات إنسانية لجميع أنظمة العقوبات التي تشمل تجميد الأصول، من أجل تقديم المساعدات الإنسانية والسلع والخدمات التي يحتاجها العاملون في مجال الإغاثة.
- استخدام “المعايير” في أنظمة العقوبات بهدف توفير مقياس للأعضاء بشأن تخفيف العقوبات أو تغييرها، وهذه المعايير توفر أيضا مسارا للكيانات الخاضعة للعقوبات ويجب عليها اتباعه إذا كانت تريد تخفيف العقوبات عنها.
- اللجوء إلى وضع تصنيفات تستهدف الجهات غير الحكومية بدلا من الحكومات نفسها، ومن ذلك ما حدث عندما رفع مجلس الأمن حظر الأسلحة عن الصومال وفرضه بدلا من ذلك على حركة الشباب.
مستقبل العقوبات
على الرغم من أن الإصلاحات الجاري تنفيذها أو المطروحة للنقاش قد تساعد في التخفيف من بعض نقاط الضعف التي أظهرتها أنظمة العقوبات الأممية، فمن غير المرجح أن تكون العقوبات فعالة في كل مكان تُفرض فيه، ولن تفعل الكثير لإصلاح الانقسامات في العلاقات الدولية التي أسهمت في جعل هذه التدابير وغيرها متعددة الأطراف مثيرة للجدل، حسب المقال.
كما ترى الكاتبة أن المواجهات المستقبلية بين المتشككين في العقوبات وداعميها في مجلس الأمن لا مفر منها، وذلك في ظل التوترات الجيوسياسية التي تؤثر على الكثير من أعمال المجلس.
وتضيف أنه من غير المعقول أن تجد الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية أرضية مشتركة بانتظام مع الصين وروسيا بشأن استخدام العقوبات في المستقبل القريب.
وتشير أونغار إلى أن مجموعة الأزمات الدولية جادلت بأن استخدام العقوبات في حظر انتشار الأسلحة أسهم في منع تدفق هذه الأسلحة ومصادرة بعضها قبل الوصول إلى أهدافها، كما في حالتي جنوب السودان وكوريا الشمالية، رغم أن هذه العقوبات لم توقف تطوير البرنامج النووي لدى بيونغ يانغ.
وتختم الكاتبة مقالها بأن عقوبات الأمم المتحدة أعاقت في بعض الأحيان جهود السلام وتسببت في أضرار إنسانية، مثل العقوبات الشاملة التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق في التسعينيات، وما سببته من عواقب مدمرة على السكان وارتفاع مستويات الجوع وسوء التغذية والأمراض.