تمارس القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل عملية انتقام متواصلة من المدنيين في قطاع غزة بعدما فشلوا في تحقيق نصر عسكري على فصائل المقاومة، وذلك لأسباب كثيرة تتعلق بالحرب وبما بعدها، كما يقول خبراء.
ففي الوقت الراهن، يجابه الفلسطينيون -في شمال ووسط القطاع- عملية تطهير عرقي وإبادة كاملة وبطريقة همجية من جانب الاحتلال الذي لم يتمكن من إبادة السكان في عموم القطاع، وفق الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي.
ومع ذلك، فقد أكد البرغوثي -خلال مشاركته في برنامج “غزة.. ماذا بعد؟” على شاشة الجزيرة- أن الاحتلال ليس وحده المجرم، و”إنما من يتواطؤون معه وخصوصا قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الذين يصرون على التصدي لأي قرار بوقف إطلاق النار”، حسب قوله.
ويرى البرغوثي أن الأمر لم يعد يقف عند قتل الفلسطينيين ولكن الاحتلال الآن يريد قتل الأسرى والمحتجزين المدنيين لدى المقاومة، واستدل على ذلك بتزايد أعداد القتلى من هؤلاء خلال الأيام الأخيرة.
أما رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي، فيرى أن إسرائيل تحاول استهداف المدنيين بأكبر قدر ممكن قبل أن يتغير الموقف الدولي منها وتجبر على وقف الحرب لسبب أو لآخر.
إلى جانب ذلك -يقول الشوبكي- فإن إسرائيل تحاول تدمير كل ما يمكن تدميره في القطاع حتى تشغل من سيحكم غزة بعد الحرب -أيا كان- لسنوات في إعادة الإعمار.
كما أن حكومة بنيامين نتنياهو تراهن على تحقيق هدف كبير من خلال القصف العشوائي حتى تقدمه للمجتمع الإسرائيلي على أنه نصر تحقق خلال الحرب، وفي الوقت نفسه ربما تتخلص من أكبر عدد ممكن من أسراها ومحتجزيها حتى تفقد المقاومة مزيدا من أوراق الضغط عليها، برأي الشوبكي.
وثمة سيناريو آخر تضعه إسرائيل في الحسبان -من وجهة نظر الشوبكي- وهو أن تستمر الحرب لأشهر تحت مظلة القبول الغربي، وبالتالي فهي تحاول خلق منطقة عازلة في الشمال من خلال تدميره تماما بدليل أنها تدمر كل ما تصل إليه حتى أجهزة المستشفيات.
وفي خضم هذه السيناريوهات، فإن سيناريو تهجير سكان القطاع ما زال هدفا قائما بالنسبة لتل أبيب وهي تمضي قدما فيه ولن تتوقف ما لم تواجَه إقليميا ودوليا.
واتفق البرغوثي مع حديث الشوبكي عن خطة التهجير، لكنه يرى أن المشروع قد انكسر بسبب صمود الفلسطينيين ورفض الدول العربية، ومن ثم فقد استبدلوا به تهجير سكان الشمال إلى الجنوب، عبر تدمير كل مقومات الحياة في الشمال.
لكن إسرائيل تحاول تدمير مقومات الحياة في الشمال بشكل وحشي وبطريقة نازية غير مسبوقة، وهو ما يؤكد انفجار أكثر المشاعر همجية لدى الإسرائيليين الذين يريدون إبادة كل ما هو فلسطيني فعليا؛ والدليل على ذلك أنهم يمارسون تدميرا وعنفا كبيرين في الضفة الغربية المحتلة، وفق البرغوثي.
وفي هذا الصدد تحديدا، ينتقد البرغوثي بشدة موقف الدول العربية والإسلامية التي اجتمعت في الرياض قبل نحو 10 أيام، وقال إن عليها الاجتماع مرة أخرى للنظر فيما حدث بعد القمة الأولى “لأنهم لم يتحركوا خطوة واحدة لكسر الحصار تنفيذا لمقررات اجتماع الرياض”، حسب تعبيره.
لكن هذه الدول -برأي الشوبكي- ليست منخرطة جديا في الأزمة الراهنة ولن تنخرط غالبا لأسباب تتعلق بأسس نشأة الأنظمة السياسية لهذه الدول، وبالتالي فهي “تحاول تقسيم العجز من خلال قمة هنا وتحرك هنا”، كما يقول.
وحتى لو تحركت هذه الدول، فإنها لن تتحرك إلا خوفا من الشارع الذي ربما يزداد سخونة مستقبلا، كما يقول الشوبكي، الذي يؤكد أن الغضب الشعبي الحالي وإن كان حاضرا فإنه لم يصل إلى مرحلة تحريك الحكومات لأنه غير منظم وفاتر قياسا بمواقف شعوب غربية.
ويختلف البرغوثي مع الشوبكي فيما يتعلق بمقدار التأثير الشعبي على القرارات السياسية وهو يستند في هذا إلى إجبار الشارع الفرنسي الرئيس إيمانويل ماكرون على المطالبة بوقف القتال، لكنه يرى أن هذا التأثير ليس على النحو المطلوب حتى الآن.
أما الشارع العربي -يقول البرغوثي- فإنه يعرف جيدا أن ما يحدث للفلسطينيين حاليا هو ما ينتظرهم مستقبلا؛ لأنهم لم ينسوا أبدا ما حدث عام 1948، مؤكدا أن العامل الحاسم في هذه المعركة هو صمود الفلسطينيين ومقاومتهم وهو “ما لن ينكسر مهما حدث”، وفق تعبيره.
ويتفق الشوبكي مع البرغوثي فيما يتعلق بإمكانية وقف الحرب عبر مزيد من الضغط الشعبي لكنه يؤكد أن الأمر يتطلب تصاعدا في هذا الضغط، وهو يرى أن تحولا مهما حدث في الشارع الغربي وخصوصا الأميركي.
ويتمثل هذا التغير -برأي الشوبكي- في التعاطف الشعبي مع فلسطين من الجانب الإنساني إلى الجانب السياسي بعدما كسر الناس في الغرب الحاجز النفسي المتعلق بالخوف من الحديث عن أي شيء يمس إسرائيل.