يبدو أن مرحلة تساقط أحجار القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية قد بدأت باستقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، أهارون حاليفا، ولن تتوقف إلا بسقوط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعدما أدرك الإسرائيليون أن كل الشعارات التي رفعها الرجل خلال فترة الحرب لم تكن سوى مجموعة من الأكاذيب غير القابلة للتحقق، كما يقول خبراء.
فقد أكد حاليفا في نص استقالته -التي جاءت على خلفية الفشل في توقع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي- أن شعبة الاستخبارات لم تقم بمهمتها، ودعا للتحقيق في الأسباب والظروف التي قادت إلى “طوفان الأقصى”.
وجاءت استقالة المسؤول العسكري الذي أكد سابقا أنه سيغادر منصبه بعد انتهاء الحرب، في وقت تعيش فيه إسرائيل صراعا لم تشهده من قبل القيادتين السياسية والعسكرية، فضلا عن انهيار كل ما تأسس عليه الجيش بشكل كامل، كما يقول الخبير العسكري العميد المتقاعد إلياس حنا.
ووفق ما قاله حنا خلال مشاركته في برنامج “غزة.. ماذا بعد؟”، فإن هذا الصراع بين العسكريين والسياسيين في إسرائيل يعود بالأساس إلى إمساك نتنياهو بكل شيء في هذه الحرب وإصراره على مطالبة العسكريين بتحقيق أهداف غير قابلة للتحقق على الأرض.
انفراط عقد الحكومة
لذلك، فإن استقالة حاليفا -الذي كان مسؤولا عن تحديد المخاطر العسكرية والأمنية ووضعها على طاولة القيادة السياسية- قد يكون بداية انفراط عقد حكومة نتنياهو، كما يقول حنا، مؤكدا أن القيادات العسكرية لا تستقيل خلال الحروب، وعندما يحدث أمر كهذا “فإنه يعني وجود فشل استخباري وعملياتي إستراتيجي”.
وجاءت استقالة حاليفا بعد حملة كبيرة طالته في الداخل الإسرائيلي كونه لم يفشل فقط في توقع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحسب، ولكن لأنه أيضا أكد أن إيران لن ترد على عملية اغتيال القائد في الحرس الثوري العميد محمد رضا زاهدي، وأنها سترد عبر وكالة، وهو ما لم يحدث، وفق الباحث السياسي وديع عواودة.
وإلى جانب ذلك، أثار حاليفا حالة اضطراب في الشارع الإسرائيلي بعد الهجوم الإيراني بقوله إن على الإسرائيليين الاستعداد للأسوأ لأنه لم يأت بعد، وهو ما زاد من انتقاده على نحو لم يترك له خيارا سوى الاستقالة، حسب عواودة.
إسرائيل فقدت أهم عوامل وجودها
الرأي نفسه ذهب إليه الباحث في الشأن الإسرائيلي سعيد زياد بقوله إن استقالة حاليفا “تعكس الفشل الإسرائيلي المتراكم الذي يعزز انكسار الشعب الإسرائيلي وشعوره بالحصار”، واصفا الاستقالة بأنها “سقوط أول أحجار الدومينو”.
ويدعم حنا الحديث عن هذا الفشل الإسرائيلي الكبير الذي أدى بها لعدم توقع طوفان الأقصى ونجاح حركة المقاومة الإسلامية حماس في شن هجوم كبير وإستراتيجي ومعقد أفقد إسرائيل الأمان الذي هو أساس وجودها، حسب تعبيره.
ومع مواصلة تمسك نتنياهو بتحقيق أهدافه التي أعلنها أول الحرب وفشل الجيش في تحقيقها، فإن استقالة القادة العسكريين والسياسيين ستتوالى، برأي حنا.
وفي هذا الصدد، يشير عواودة إلى إعلان العديد من القادة العسكريين عزمهم الاستقالة في الوقت المناسب، معربا عن توقعه برحيل رئيس الاستخبارات الداخلية (الشاباك) ورئيس الاستخبارات الخارجية (الموساد)، قبل انتهاء الحرب وربما بعد عيد الفصح الذي بدأ بعد غروب شمس اليوم الاثنين.
ورغم مواصلة نتنياهو التنصل من أي مسؤولية عما حدث ويحدث لإسرائيل، فإن الشارع الإسرائيلي سيصل إلى لحظة الانفجار عندما يفشل الجيش في تحقيق أي هدف بمدينة رفح ثم يعود رئيس الحكومة للحديث عن العودة للوسط أو الشمال، كما يقول عواودة.
وأشار الباحث السياسي إلى أن صحيفة يديعوت أحرونوت تتحدث عن دعم ثلثي الإسرائيليين لرحيل نتنياهو.
أما زياد، فيرى أن حلول عيد الفصح بما له من حضور ديني وتاريخي لدى الإسرائيليين -كونه يوم النجاة من فرعون- بينما هناك نحو 200 أسير لدى المقاومة، سيكون له ما بعده، حسب تعبيره.
وتمثل استقالة حاليفا إعلانا لحقيقة أن الأسوأ لم يأت بعد، والتي يؤمن بها الجميع ولا يعلنها أحد من المسؤولين، برأي زياد، الذي يقول إن تيقن الإسرائيليين بأنهم فقدوا الرفاه والأمن وأنهم غير قادرين على البقاء دون حماية أميركا لهم سياسيا وعسكريا، يعني أن عوامل استقلال الدولة لم تعد موجودة.
وفي الأخير، يقول عواودة إن إسرائيل أصبحت قريبة من لحظة الانفجار لأن المجتمع تأكد من عدم صحة كل الشعارات التي رفعها نتنياهو، فضلا عن تأكيدات بعض المسؤولين تعمده عرقلة مفاوضات تبادل الأسرى.
لذلك، فإن الحل الوحيد لاستعادة الأسرى بنظر الإسرائيليين خلال الفترة المقبلة سيكون بتغيير الحكومة، كما يقول عواودة.
بينما يؤكد زياد أن إسرائيل “ضلت طريقها في هذه الحرب ووصلت إلى مرحلة من التشرذم وتشويه صورتها بطريقة غير مسبوقة، وظهرت كدولة مهزومة وكاذبة ولن تستطيع معالجة هذا الجرح مهما فعلت”.