يعتقد محللون أن إعلان الجيش الإسرائيلي عن عدد جرحاه في قطاع غزة ليس فقط محاولة للدفع باتجاه وقف الحرب، وإنما أيضا للضغط باتجاه تشريع قانون يجيز تجنيد الحريديم المتشددين.
وكشف الجيش الإسرائيلي خلال الساعات الماضية عن أرقام بشأن الخسائر البشرية التي لحقت به في القطاع. وقال إن قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع الإسرائيلية استقبل 10 آلاف و56 جنديا جريحا منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمعدل أكثر من ألف جريح جديد كل شهر.
وأضاف البيان أن أكثر من 3700 من المصابين يعانون من إصابات في الأطراف، بما في ذلك 192 إصابة في الرأس، و168 مصابا بجروح في العين، و690 مصابا بجروح في الحبل الشوكي، و50 مصابا من مبتوري الأطراف يعالجون في قسم إعادة التأهيل.
وشكك الخبير العسكري اللواء فايز الدويري في هذه الإقام. وقال إن القواعد المعمول بها منذ الحرب العالمية الثانية تؤكد وقوع قتيل مقابل كل 3 جرحى، مما يعني أن 3300 فرد قتلوا خلال الحرب -في حال صدق البيان الأخير- بينما الجيش يتحدث عن 1020 فقط.
وخلال مشاركته في برنامج “غزة.. ماذا بعد؟”، قال الدويري إن هناك الكثير من التقارير الإسرائيلية التي تفند هذه الأرقام، مشيرا إلى أن الجيش لا يعلن عن القتلى من البدو والدروز ومزدوجي الجنسية والمرتزقة.
وإلي جانب ذلك، أشار الدويري إلى أن تقارير غير إسرائيلية تتحدث عن 8435 قتيلا، بينهم 902 فرنسي و1835 أميركيا و79 بريطانيا و83 بريطانيا والبقية مرتزقة.
لكن الأمر المهم في بيانات الجيش الإسرائيلي كما يقول الدويري هو أن غالبية المصابين هم قوات الاحتياط التي تمثل عماد القوات المقاتلة حاليا، بواقع 330 ألفا مقابل 130 ألف جندي نظامي يعملون في القطاعات الخدمية غالبا.
وقال إن قوات الاحتياط تعادل ثلثي القوات الموجودة في القطاع وإنهم مدربون جيدا على القتال، وفي الوقت نفسه هم دون سن الأربعين، ويمثلون رقما مهما في الداخل الإسرائيلي لأنهم أيضا جزء من سوق العمل ولهم عائلات يعولونها.
صدمة لإسرائيل
لذلك، فإن هذه الأرقام حتى لو لم تكن أقل من الواقع فإنها تحدث صدمة داخل المجتمع الإسرائيلي، لأنها تمثل أزمة اجتماعية واقتصادية، برأي الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى.
كما أن هذه الأرقام تعني للإسرائيليين أنهم يعيشون حرب استنزاف، كما يقول مصطفى، مشيرا إلى أن هذا النوع من الحروب هو أكثر ما يخيف المتجمع الإسرائيلي، لأن لها أثمانا كبيرة ولا تنتهي بتحقيق نصر واضح.
وفي السياق، قال المحلل السياسي عريب الرنتاوي إن هذه الأرقام تعني أن المقاومة ألحقت ضربة كبيرة بجيش الاحتلال الذي فقد صورته التي روّج لها لسنوات، مشيرا إلى أن الإعلان عن هذه الأرقام يمثل رسالة للجانب السياسي بضرورة وقف الحرب، لأن الجيش يواجه ضغوطا كبيرة فيها.
ولفت الرنتاوي إلى حديث رئيس أركان الاحتلال هرتسي هاليفي الأخيرة التي قال فيها إن الجيش أصبح مستعدا للانسحاب من القطاع لأنه بات قادرا على العودة إليه في أي وقت. واعتبرها رسالة واضحة للدفع باتجاه وقف القتال.
وأشار الرنتاوي أيضا إلى أن المقاومة أحدثت أزمة اجتماعية داخل إسرائيل، خصوصا أن ثلثي المصابين دون الأربعين أي أنهم سيخرجون من سوق العمل وسيضرون بذويهم.
جزء من الخلاف الداخلي
وإلى جانب ذلك، فإن الإعلان عن هذه الارقام في هذا التوقيت -برأي الرنتاوي- يمثل حلقة جديدة من حلقات الخلاف العسكري السياسي الذي يعتمد على التسريبات التي تحدث وزير الدفاع يوآف غالانت في أحدها مؤخرا عن أن الحديث عن النصر (الذي يتمسك به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو) المطلق ليس إلا “هراء”.
وتعكس هذه الأرقام كذلك محاولة الجيش الدفع باتجاه تجنيد الحريديم لأنه يعاني أزمة في المقاتلين، كما يقول الرنتاوي، معربا عن اعتقاده بأن هذا الإعلان يحمل رسالة سياسية وعسكرية.
ويري مصطفى أن تجنيد الحريديم كان صراعا اجتماعيا اقتصاديا قبل الحرب، لكنه أصبح صراع حياة أو موت بعدها، مؤكدا أن الضغط أصبح كبيرا لتجنيد هذه الفئة التي لم تعد بنظر الإسرائيليين معفاة من الضرائب والعمل فقط وإنما معفاة من الموت أيضا، وفق تعبيره.
لذلك، فإن تشريع قانون لتجنيد الحريديم سيضع الجيش في مأزق كبير، لأنهم سيرفضون الالتحاق بالجيش وبالتالي سيدفعون بقية الإسرائيليين لرفض الخدمة بحجة أنهم ليسوا مجبرين على الذهاب للموت وغيرهم جالس في مدرسة دينية.