يقول خبراء ومحللون إن التقرير الأخير الذي أصدره مجمع الاستخبارات الأميركية يعكس إدراك الولايات المتحدة ما ينطوي عليه الوضع في فلسطين من مخاطر، وإنه يعكس تغير النظرة الأميركية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وربما يؤثر على تعامل الولايات المتحدة مع هذه القضية مستقبلا.
وقال التقرير إن الحرب الإسرائيلية تمثل تحولا دراماتيكيا مهما في المنطقة، مؤكدا أن حركة حماس ستكون قادرة على مواجهة إسرائيل لسنوات، وأن القضاء عليها لن يكون بالأمر السهل.
ووفقا للخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى، فإن التقرير يتعارض مع أحاديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قال إن القضاء على حماس يتطلب أسابيع فقط.
وقال مصطفى خلال مشاركته في برنامج “غزة.. ماذا بعد؟” إن التقرير يمثل أول موقف أميركي حاد ضد إسرائيل، وهو أمر يزعج نتنياهو الذي يعتقد أن لدى واشنطن سياسة ممنهجة لإبعاده عن الحكم.
كما أن التقرير أزعج نتنياهو لأنه يظهره بمظهر الكاذب، في حين يسوّق نفسه على أنه القائد الوحيد الذي يمكنه مخاطبة العالم نيابة عن إسرائيل كما يقول مصطفى، مؤكدا أن هذا التقرير “ينزع الشرعية عن حكومة نتنياهو المتطرفة”.
الحقائق كما هي
الرأي نفسه تقريبا ذهب إليه المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية وليام لورانس بقوله إن مجتمع الاستخبارات يقدم الحقائق على عكس الساسة الذين يتخذون قراراتهم وفق أسس مختلفة، مؤكدا أن رجال الاستخبارات “يعرفون جيدا ما يقوم به نتنياهو من أمور سيئة تجاه الفلسطينيين”.
وفي ما يتعلق بالضغوط الأميركية على نتنياهو، قال لورانس إن واشنطن غير سعيدة بنتنياهو، مؤكدا أنها “ترغب في استبداله دون التدخل مباشرة في السياسة الداخلية، لأن هذه ستكون أفضل طريقة لحل أزمة غزة”.
أما المحلل السياسي محمد الأخرس فيرى أن التقرير الأخير يكتسب أهمية كبيرة داخل مجتمع السياسة الأميركية، لأنه يقرر المخاطر التي تحيط بمصالح الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنها “المرة الأولى التي يتطرق فيها إلى فلسطين بهذا الشكل، بل ويتعرض لإسرائيل كبلد غير مستقر”.
لذلك، فإن التقرير من حيث مضامينه وتعاطيه مع القضية الفلسطينية “يعكس تغير نظرة مجتمع الاستخبارات الأميركي لهذه القضية التي لم يتطرق إليها العام الماضي، ويؤكد فشل هذا المجتمع خلال السنوات الماضية في التنبؤ بما يمكن أن تصل إليه الأمور في قطاع غزة”، وفق الأخرس.
وفي ضوء ذلك يعتقد الأخرس أن التقرير “ستكون له انعكاسات على الموقف الأميركي من فلسطين خلال السنوات المقبلة”.
على واشنطن أن تضغط أكثر
ومع ذلك، يقول مصطفى إن التقرير توقع سقوط حكومة نتنياهو “وهذا أمر يغاير الواقع، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي تمكن من تثبيت حكومته، فضلا عن أن 74% من الإسرائيليين لا يزالون يؤيدون الحرب على حماس”.
وفي هذا الصدد، قال لورانس إن واشنطن لم تبذل الجهد المطلوب لوقف الحرب، وإنها لو زادت ضغوطها بنسبة 20% فقط لتحقق وقف إطلاق النار.
وأضاف “نتنياهو يتلاعب بالسياسة الأميركية، وإلقاء مساعدات من الجو وبناء ميناء مؤقت يعنيان أن واشنطن تبلغ إسرائيل بأن الأمور لن تحل بالقوة وأننا لا نرضى بكل ما تقومون به”، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن “منع دخول إسرائيل إلى رفح حتى الآن، لكن علينا أن ننتظر ونرى”.
ووفقا للورانس، أدرك الأميركيون أن حماس لن يتم القضاء عليها بسهولة، وأنها ليست حركة إرهابية وإنما هي مقاومة مشروعة، فضلا عن أنها تزداد قوة في الضفة الغربية وأماكن أخرى، ومن ثم لا يمكن القضاء عليها.
وختم بأنه “من السخف الحديث عن القضاء على حماس”، وأن حديث نتنياهو عن الحاجة فقط لتفكيك 4 كتائب من حماس للقضاء عليها “ليس صحيحا ولا واقعيا”.
أما الأخرس فأشار إلى أن التقييم الأميركي يتقاطع مع تقرير الاستخبارات الإسرائيلية الذي قال إنه لا يوجد أمل في الأفق للقضاء على حماس قريبا، مما يعني أنها ستواصل المقاومة حتى لو توقفت الحرب أو تراجعت قدراتها العسكرية، وفق قوله.
وخلص إلى أن التقرير الأميركي يتعامل مع مستقبل الصراع أكثر من تعامله مع الحرب الحالية، وأنه يريد من الإسرائيليين التوقف وإعادة الحسابات.