اتفق محللون سياسيون على أن المقترح المعدل من قبل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لصفقة تبادل الأسرى وإنهاء الحرب بقطاع غزة، يأتي في سياق إصراره على أسلوب التملص من التوصل لتلك الصفقة والتلاعب المسار التفاوضي كما حدث في جولات سابقة.
وكان نتنياهو أعلن أنه سيرسل وفدا تفاوضيا إلى المحادثات الجديدة المقررة في العاصمة الإيطالية روما، محملا إياه مقترحا معدلا للصفقة يتضمن شروطا يسعى لفرضها في الاتفاق المنشود، التي قال إنها “ستظهر ما إذا كنا قريبين من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار”.
ونقل موقع أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي كبير ومصدرين آخرين أن إسرائيل سلمت مقترحها المحدّث بشأن اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى في قطاع غزة إلى الولايات المتحدة اليوم السبت، والذي تضمن مطالب جديدة قد تعقد إبرام الصفقة.
وخلال حديثه لبرنامج “غزة.. ماذا بعد؟”، يرى سعيد زياد، الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية، أن شروط نتنياهو الجديدة ليست سوى استمرار لأسلوبه في التلاعب بالمسار التفاوضي، خاصة مع إبداء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مرونة كبيرة جعلت واشنطن غير قادرة على اتهامها بالتعنت كما حدث في جولات سابقة.
لكن زياد يرى أن هامش المناورة أمام نتنياهو قد تتقلص بشكل كبير مقارنة بالجولات التفاوضية السابقة، موضحا أن الجميع بات يطالبه بإنهاء هذه الحرب، منهم الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب، إضافة إلى كامالا هاريس نائبة الرئيس التي اتخذت تصريحات أكثر صرامة وصراحة.
ولفت كذلك إلى أن الجيش الإسرائيلي بدأ يشعر بالضغط، ويصرح قادته بأنه لا بد من الخروج من غزة بأي ثمن حيث لا هدف واضح لاستمرار الحرب، كما أن الوفد التفاوضي، رافض لمقترحات نتنياهو، ويرى أنها سترفض من قبل الوسطاء.
ويرى زياد أن نتنياهو ابتدع هذه الحيلة للتملص من المسار التفاوضي، ويمدد الحرب لشهر جديد على الأقل، مشيرا إلى أن نتنياهو بات شبه وحيد في معركته، باستثناء دعم الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير اللذين يهددانه بإسقاط الحكومة.
الصفقة قريبة ولكن!
وأعرب زياد عن اعتقاده أن الصفقة باتت أقرب من أي وقت مضى، مقارنة بالجولات التفاوضية السابقة، لكنه يرى أنه لا يمكن تقدير مدى إمكانية عقد الصفقة خلال الأيام المقبلة رغم هذا القرب الملحوظ.
ويرى زياد أن جيش الاحتلال والوفد المفاوض قد يلعبان دورا أكبر في المرحلة القادمة، معتبرا الحديث عن إدارة مدنية للقطاع بعد الحرب أنه “ذر للرماد في العيون ومحاولة للظهور بمظهر من لديه رؤية لليوم التالي للحرب في القطاع”.
بدوره، يرى الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين أن موقف نتنياهو يجب أن يُفهم من خلال حيثيات تموضعه داخل إسرائيل، مشيرا إلى أن الاستطلاعات الأخيرة يوم الجمعة أظهرت أن نتنياهو حقق ما أراد محليا من زيارته للولايات المتحدة.
لكن هذا الانتصار، حسب جبارين، هو انتصار لحظي مؤقت، لافتا إلى أنه نجح من خلال هذه الزيارة في زيادة شعبيته حتى بين معارضيه، مستفيدا من التصفيق الحار له في الكونغرس والذي خفف وطأة العزلة الدبلوماسية التي تعرضت لها إسرائيل خلال الأشهر السبعة السابقة.
ويرى جبارين أن نتنياهو حرص في زيارته لواشنطن على اتخاذ مسافة متساوية من كل الأطراف، خاصة بعد خلط الأوراق الذي قام به بايدن بانسحابه من السباق الانتخابي، مشيرا في هذا السياق إلى لقائه مع بايدن وهاريس الذي وُصف بالفتور.
وأكد جبارين أن نتنياهو يدرك جيدا تداعيات الحالة السياسية بالولايات المتحدة على الوضع داخل إسرائيل أكثر مما تدركه الولايات المتحدة نفسها، لافتا إلى أن الغالبية في إسرائيل يدركون أنه يعمل وفق مصالحه الشخصية، وليس وفق مصالح إسرائيل.
تحقيق الصفقة وارد
في حين، ذهب المسؤول السابق في الخارجية الأميركية وليام لورانس إلى أن التصفيق لنتنياهو في الكونغرس لم يكن ذا دلالة حقيقية، حيث إن معظم من وقفوا وصفقوا لم يكونوا من أعضاء الكونغرس بل من العاملين والموظفين، في حين لم يصفق له معظم الديمقراطيين.
وأكد لورانس أن تحقيق الصفقة وارد، لكنه غير متفائل في ظل استمرار نتنياهو في تلاعبه المعتاد، مضيفا أن قوة نتنياهو ليست في صحة موقفه بل في عناده والصلاحيات التي يمنحها له النظام في إسرائيل، كما أنه يعلم أنه بمجرد أن تتوقف الحرب سيتعرض مستقبله للخطر.
وأشار لورانس إلى أن التقارير اليوم حول لقاء نتنياهو وهاريس كانت أكثر سلبية مما سمعناه علنا، حيث استخدمت هاريس لغة مشفرة، وعندما تستخدم مصطلح “المحادثات كانت صريحة” فهذا يعني أنها كانت صعبة وواضحة، وتخلو من المجاملات.
وأوضح أنه لو كان نتنياهو من السياسيين التقليديين ويستمع للعقلاء داخل دولته وفي واشنطن، لكان بإمكانه تحقيق الكثير من النقاط مع الديمقراطيين بالموافقة على المرحلة الأولى من صفقة وقف إطلاق النار.