قال محللون سياسيون إن حديث إدارة جو بايدن عن إمكانية التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة لا يعدو كونه نوعا من تبريد الأزمة، وأكدوا أن واشنطن تدير مفاوضات تعرف أنها لن تفضي إلى اتفاق لكنها توفر غطاء لاستمرار الحرب.
وكان مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA) وليام بيرنز قال إن التوصل لاتفاق ممكن وإنه يتطلب إرادة سياسية من جانب إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، معربا عن تفاؤل واشنطن بإمكانية تقريب وجهات النظر بين الطرفين.
وتعليقا على هذا الحديث، قال الباحث في الشؤون السياسية والدولية ستيفن هايز إن ما تقوله إدارة بايدن لا يعكس حقيقة موقفها، معربا عن اعتقاده بأن الأميركيين متشائمون بسبب مراوغة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقال هايز -خلال مشاركته في برنامج “غزة.. ماذا بعد؟”- إن إبداء التفاؤل سياسة أميركية راسخة لكنها لا تعبر عن الحقيقة، مؤكدا أن “بايدن أساء إدارة ملف الحرب ولم يعد قادرا على وقفها في الوقت الراهن، وحتى لو حاول الضغط فإن نتنياهو لن يستجيب له”.
مفاوضات دون اتفاق
ورجح هايز أن يواصل نتنياهو المراوغة وصولا إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، “مما يعني أن هناك مفاوضات لكن ليست هناك نية للتوصل لاتفاق”.
في المقابل، يعتقد المحلل السياسي ساري عرابي أن الولايات المتحدة تحاول توفير ظروف استمرار الحرب من خلال المساواة بين المقاومة والمحتل الذي يواصل إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم بشكل ممنهج، والقول إن كليهما لا يبدي إرادة سياسية لوقف إطلاق النار.
وقال عرابي إن الجانب الفلسطيني وافق على 3 مقترحات قدمها وأشرف عليها بيرنز شخصيا ثم تنصلت منها إسرائيل علنا ولم يعلق بيرنز على هذا التنصل، بينما أعلن نتنياهو مرارا وبشكل واضح أنه لا يقبل بالاتفاق.
وبناء على ذلك، فإن الفلسطينيين كما يقول عرابي “لا يمكنهم الثقة في إدارة بايدن التي نجحت حتى اللحظة في منع اتساع الحرب من خلال ترهيب حلفاء المقاومة في إيران ولبنان واليمن وأيضا من خلال الإيهام بأنها تقود مفاوضات ستفضي إلى وقف إطلاق النار”.
واشنطن توفر ظروف استمرار الحرب
وأشار عرابي إلى أن نتنياهو يفسر مرونة المقاومة على أنها ضعف وبالتالي يواصل تنفيذ خطته القائمة على تغيير الأوضاع الأمنية والاجتماعية في غزة تحت مظلة الإدارة الأميركية للحرب واعتمادا على الموقف العربي الذي يضع المقاومة والفلسطينيين عموما في موقف الضعيف.
الرأي نفسه ذهب إليه الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين بقوله إن نتنياهو يواصل تنفيذ مخططه القائم على إطالة أمد المفاوضات وصولا إلى الانتخابات الأميركية، لكنه أشار إلى وجود مخاوف أمنية داخل إسرائيل من تحول المظاهرات إلى انتفاضة ضد الحكومة.
وقال جبارين إن نتنياهو حد كل أذرعه الإعلامية خلال الأيام الماضية للتقليل من شأن المظاهرات المطالبة بعقد صفقة تبادل أسرى لأنه يخشى من اقتراب ذكرى السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ومن وجهة نظر جبارين، فإن الأمر لا يتعلق فقط بالوصول إلى الانتخابات الأميركية وإنما بما يريده نتنياهو بشكل أساسي، مشيرا إلى أنه “يحاول تطبيق إستراتيجية الأمن مقابل السلام، ويجد فرصة ذهبية لتقنين الاحتلال بسبب ضعف الإدارة الأميركية”.
واتفق هايز مع الحديث السابق بقوله إن التوصل لصفقة سيكون إنجازا لبايدن ولكنه لا يمثل هاجسا كما تقول بعض الصحف، وقال إن إسرائيل تمارس إبادة فعلية في غزة بينما بايدن ضعيف ولا يمكنه فعل أي شيء في فترة الانتخابات.
حماس لن تفرط في مكاسب طوفان الأقصى
وعن الموقف الذي يمكن للمقاومة أن تتخذه في ظل هذا التعثر للأزمة، قال عرابي إن حماس كممثلة للمقاومة وللفلسطينيين في غزة لا يمكنها التفريط أبدا في المكاسب الإستراتيجية لعملية طوفان الأقصى وفي مقدمتها إعادة القضية الفلسطينية إلى خارطة الاهتمام الدولي بعدما كانت على وشك الانطفاء بسبب خطط التطبيع ودمج إسرائيل في المنطقة.
وقال عرابي إن “حماس التي تواجه جيشا مدججا بالأسلحة وبالدعم الدولي وبالصمت العربي لن تسمح للمفاوضات بترسيخ الاحتلال أو طمس القضية الفلسطينية التي كان يراد لها الموت”.
وخلص عرابي إلى أن حماس “ستبذل كل جهد من خلال الصمود في الميدان والمفاوضات ومحاولات تعديل الوضع الإقليمي الذي كان يمكنه تعزيز موقف الجانب الفلسطيني لو أنه كان على نحو آخر غير الذي هو عليه”.
ورغم تراجع احتمالات اتساع دائرة الحرب بسبب إدارة واشنطن لها على النحو الذي تحدث عنه عرابي، فإن هايز يرى أن فرص اندلاع صراع أوسع ستظل قائمة ما دامت الحرب لم تتوقف.
وقال هايز “إن إيران تحديدا كداعم رئيسي لحماس أظهرت أنها لا تريد توسيع الحرب وتصرفت بشكل هادئ ورصين أملا في التوصل لاتفاق ولكن من غير المضمون أن تستمر في ممارسة هذا الهدوء طوال الوقت”.
واتفق عرابي مع حديث هايز بقوله إن مستقبل الحرب قد لا يكون بيد من يقودونها لكنه يرى أن واشنطن لا تزال ناجحة في تحجيم الصراع وحصره في غزة وقد سمحت لنتنياهو بتنفيذ ضربات لحلفاء المقاومة في لبنان وإيران واليمن.
واستند عرابي في ذلك إلى “عدم الرد على اغتيال الزعيم السابق لحماس إسماعيل هنية في طهران، وبالرد على اغتيال القيادي في حزب الله اللبناني فؤاد شكر، الذي جاء محدودا جدا”.