في تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأميركية قال المحلل السياسي الإسرائيلي شالوم ليبنر إن الدمار الشامل الذي ألحقته هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بالقواعد والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة “امتد إلى تحطيم ثقة الإسرائيليين في مؤسساتهم العامة حتى بدت إسرائيل تائهة، وقد تخلت عنها قياداتها على ما يبدو في ذلك الوقت”.
وبعد مرور عام على تلك الهجمات يرى ليبنر أن “مشاعر الإحباط وخيبة الأمل ما زالت تسيطر على أغلبية الإسرائيليين، إذ أصبحت وعود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتحقيق نصر كامل على حركة حماس جوفاء، والإسرائيليون إما يشعرون بخيبة الأمل لأن تعهداته لم تتحقق أو أنهم لا يصدقون أن مثل هذا الإنجاز ممكن”.
ويقول المحلل الإسرائيلي “في حين تتزايد خسائر الإسرائيليين في حرب غزة رغم الدمار الهائل الذي تلحقه إسرائيل بمدن القطاع وقتلها أكثر من 42 ألف فلسطيني -أغلبهم من الأطفال والنساء- تعيد حركة حماس تجميع صفوفها داخل المناطق التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي”.
فرحة مؤقتة
ويستدرك قائلا “لكن الروح المعنوية المنهارة للإسرائيليين تلقت دفعة قوية يوم 17 سبتمبر/أيلول الماضي عندما تحول الاهتمام فجأة نحو لبنان بعد سقوط الآلاف من أعضاء حزب الله اللبناني العدو اللدود لإسرائيل بين قتيل وجريح بسبب تفجير متزامن لآلاف أجهزة النداء الآلي (البيجر) ثم مئات أجهزة الاتصال اللاسلكي (ووكي توكي) في اليوم التالي، وذلك في عملية استخباراتية محكمة”.
ويضيف “رغم نفي إسرائيل الرسمي مسؤوليتها عن العمليتين فإن الجيش الإسرائيلي أعقبهما بسلسلة هجمات جوية أسفرت عن قتل كبار قادة الحزب اللبناني -وفي مقدمتهم أمينه العام حسن نصر الله– وشن عملية عسكرية واسعة على لبنان حملت اسم “الأسهم الشمالية”، مما أحيا شعبية بنيامين نتنياهو بين الإسرائيليين”.
ويتابع ليبنر -الذي عمل خلال الفترة من 1990 إلى 2016 في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مع 7 رؤساء وزارة متعاقبين- في تحليله “في حين لم تكن إسرائيل مستعدة للحرب ضد حماس في غزة فإنها كانت مستعدة بصورة أفضل للتعامل مع حزب الله، سواء على الصعيد العسكري أو الاستخباراتي، وهو ما أتاح لها توجيه ضربة قوية إليه”.
وينبه قائلا “لكن هذا الارتفاع في الروح المعنوية للإسرائيليين وتفوقها في ساحة القتال ضد حزب الله قد يتضح فيما بعد أنهما مؤقتان، فلا يزال عشرات الآلاف من الإسرائيليين نازحين عن منازلهم الموجودة في مرمى نيران الحزب، ويمكن أن يزداد عدد النازحين الإسرائيليين إذا وسع حزب الله نطاق هجماته”.
ويستشهد في ذلك بأن يوم 25 سبتمبر/أيلول الماضي “شهد قصفا صاروخيا غير مسبوق من حزب الله لتل أبيب، والحكمة التقليدية تقول إن الحزب لا يزال يحتفظ بترسانة صاروخية كبيرة يمكنه إطلاقها مع تقدم التوغل البري للجيش الإسرائيلي، والأخطر من ذلك أن إيران تجاوزت سريعا ضربات إسرائيل لحليفها حزب الله، وأغرقت إسرائيل بنحو 200 صاروخ باليستي في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري”.
وحسب ليبنر في تحليله “تقف إسرائيل مرة أخرى في مفترق طرق، ففي حين يتزايد القصف الإسرائيلي في لبنان كجزء من محاولة معلنة لتعزيز خفض التصعيد من خلال التصعيد يمكن أن تمتد نيران تلك المواجهة إلى مناطق ساخنة مجاورة أخرى، لتصبح هذه الصيغة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لإسرائيل، خاصة بعد أن خرجت إيران من الظل لتدخل المعركة بشكل لا لبس فيه”.
ومضى يقول “إن الخطأ في التقدير -سواء من جانب إسرائيل أو حزب الله- فيما يتصل بتصورات أو مسار المواجهة قد يؤدي إلى إشعال فتيل حرب شاملة على الجبهات المتعددة التي ذكرها نتنياهو مرارا وتكرارا، وهذا من شأنه أن ينذر بكارثة محتملة، ليس فقط بالنسبة لمواطني إسرائيل وبنيتها الأساسية، بل وأيضا بالنسبة لاقتصادها المتعثر بالفعل ومكانتها العالمية”.
الموقف من الهدنة
وعن احتمالات الهدنة، يقول “تطرح الدعوة -التي حولتها مجموعة من الدول بدعم من الولايات المتحدة في 25 سبتمبر/أيلول الماضي إلى هدنة مدتها 21 يوما على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية تنطلق منها المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى وقف دائم للأعمال العدائية -مسارا مختلفا للمضي قدما”.
ويشير إلى أن الإسرائيليين “يترددون في المضي قدما في هذا المسار، لأن مثل هذه الهدنة من شأنها منح حزب الله وقتا ثمينا للتعافي وإعادة تكوين ترسانته المستنفدة، كما أن الاتفاقيات القائمة على الضمانات الدولية مثل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 -الذي نص على “إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني لا توجد فيها أسلحة غير تلك التابعة لحكومة لبنان وقوات اليونيفيل”- انتهكها حزب الله بشكل صارخ”.
ويرى ليبنر أنه “في غياب الخيارات المثالية أصبحت حكومة نتنياهو -التي ما زالت شعبيتها متدنية إلى حد كبير بين الناخبين- في مواجهة قرارات عدة حرجة تؤدي إما إلى انتشال الإسرائيليين من كابوسهم الممتد أو جعل الوضع الحالي السيئ أشد سوءا، ويمكن أن تصبح إعادة سكان الشمال إلى ديارهم بأمان التي أضافتها الحكومة الأمنية الإسرائيلية إلى أهدافها الحربية في 17 سبتمبر/أيلول أقل مشاكل هذه الحكومة”.
وفي تقييمه لتعامل نتنياهو مع المناقشات الأخيرة المتعلقة بالوقف المحتمل لإطلاق النار لمدة 3 أسابيع، يرى أنه “تعامل سيئ، ففي تكرار لخطوته الكلاسيكية أعطى نتنياهو موافقته على جهود التهدئة المبذولة، ثم استسلم للاعتراضات الصاخبة من شركائه في الائتلاف الحاكم والذين هددوا بإسقاط الحكومة، فسحب موافقته على جهود التهدئة”.
ويضيف “كما أن الاحتكاكات الواضحة مع الولايات المتحدة بشأن الخطوط العريضة لردها المتوقع على الهجوم الإيراني يمكن أن تعرّض إسرائيل للخطر، وهي تفتقر إلى القدرة على التعامل مع التهديد الإيراني بمفردها”.
ويقول ليبنر إن “إن مسار العمل الأكثر فاعلية لنتنياهو هو التعاون مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وبدء العمل البناء لصياغة نهاية مستدامة للعبة، بما يضمن المكاسب التي حققتها إسرائيل بشق الأنفس في ساحة المعركة، وينهي حروب الاستنزاف في غزة ولبنان، ويسهل عودة مواطنيها الأسرى والمهجرين إلى ديارهم”.
ويشير إلى أن واشنطن وباريس من بين عواصم أخرى “سارعت لإرسال المساعدات إلى إسرائيل عندما أطلقت إيران أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة، ولكن لن يكون لهذا الدعم بالإضافة إلى المساعدات المادية والدبلوماسية التي يقدمها الداعم لإسرائيل في البيت الأبيض نفس الأهمية إذا تدهورت الظروف ووجدت إسرائيل نفسها متورطة في قتال أوسع نطاقا وأشد ضراوة”.
ويختتم تحليله بالقول “إذا قاد نتنياهو إسرائيل إلى هذا السيناريو المظلم بسبب غطرسة حكومته اليمينية بعد أن يكون قد أحرق كل الجسور مع أصدقاء بلاده فسوف يظل الإسرائيليون يشعرون بالحزن والإحباط لفترة طويلة قادمة”.