القدس المحتلة- حذرت فعاليات حقوقية ودينية فلسطينية مهتمة بشؤون القدس والأقصى من تداعيات ومخاطر مشروع قانون يناقش بالكنيست الإسرائيلي، يدعو لتقسيم المسجد الأقصى مكانيا بين المسلمين واليهود.
وأجمعت الفعاليات الفلسطينية بأن الأقصى -الممتد على مساحة 144 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع)- حق خالص ومقدس للمسلمين وحدهم، ولا يوجد لأحد غيرهم حق أو ملكية حتى في ذرة تراب في ساحات الحرم، مؤكدة أن قانون التقسيم المكاني للأقصى سيشعل فتيل حرب دينية بين اليهود والعالمين العربي والإسلامي.
وتؤكد الفعاليات الفلسطينية أن فكرة مشروع القانون لتقسيم الأقصى مكانيا ليست فكرة لشخص، بل هي فكرة تحظى بإجماع يهودي وصهيوني، كما تلقى رواجا لدى الائتلاف الحكومي وأحزاب اليمين، التي ركزت في برامجها الانتخابية على تهويد القدس القديمة وتقسيم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم.
مشروع قانون
أعد مشروع القانون عميت هاليفي عضو الكنيست عن حزب الليكود الحاكم الذي يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويهدف إلى تقسيم المسجد الأقصى مكانيا بين المسلمين واليهود، وإعادة تعريف المسجد الأقصى إسلاميا بوصفه مبنى الجامع القبلي حصرا، وأن كل ما سواه من ساحات الحرم غير مقدس إسلاميا.
وينص مشروع القانون -الذي كشف عنه الموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل” أمس الأربعاء- على تخصيص محيط المسجد القبلي جنوبا للمسلمين، في حين تُخصص لليهود قبة الصخرة التي ستتحول إلى “الهيكل” المزعوم، وحتى الحد الشمالي لساحات الحرم.
وحسب مشروع القانون، سيتم تخصيص منطقة المسجد القبلي للمسلمين، وتخصيص المساحة التي تبدأ من صحن قبة الصخرة وحتى أقصى شمال ساحات الحرم القدسي الشريف لليهود، وهي مساحة تشكل نحو 70% من مساحة الأقصى.
ويرى مشروع القانون أن تقديس المسلمين لكل الأقصى “مؤامرة لحرمان اليهود من مقدسهم على جبل الهيكل (المسجد الأقصى)”.
الوصاية الأردنية
وفي سبيل المضي في تقسيم المسجد الأقصى مكانيا، ينص مشروع القانون على ضرورة التخلص من السيادة والوصاية الأردنية على المسجد الأقصى بشكل كلي، وكذلك إنهاء دور دائرة الأوقاف الإسلامية في ساحات الحرم، وذلك عبر وضع خطة تدريجية لتحقيق هذه الأهداف.
ويتيح مشروع القانون المجال لليهود لما أسماه “الصعود إلى جبل الهيكل” (اقتحام المسجد الأقصى) من كافة الأبواب كما يدخله المسلمون، وعدم اقتصار حركة اليهود على باب المغاربة فقط.
ويطالب مشروع القانون بإقامة مديرية خاصة لإدارة شؤون اليهود في المسجد الأقصى، وتثبيت حضور وتواجد اليهود في ساحات الحرم إلى حضور ديني، مما يعني السماح لهم بإقامة الطقوس التلمودية والتوراتية في المسجد الأقصى من دون أي تقييدات.
صراع روايات
ولغرض التقسيم المكاني للأقصى، يقترح مقدم مشروع القانون هاليفي تغيير الوضع القائم إلى ما أسماه “جبل الهيكل” (المسجد الأقصى)، والسماح لليهود باقتحامه بحرية وعلى مدار الساعة، وتثبيت ملكيتهم للمكان، مع الشروع في حملة دعائية عالمية تشرح الحق المقدس لليهود في ساحات الحرم، وتدحض ما وصفه بـ”رواية” المسلمين حول حقهم المقدس وملكيتهم للأقصى.
وقال هاليفي “لنبدأ بالحقائق، إن مساحة الحرم القدسي 144 دونما، جزء صغير منه هو المسجد الأقصى منطقة المسجد القبلي فقط، في الطرف الجنوبي قام المسلمون بتوسيع المسجد بضم إسطبلات سليمان (المصلى المرواني)، وبنوا مسجدا كبيرا آخر تحت الأرض”.
على الجانب الآخر من ساحات الحرم -يضيف هاليفي- “توجد قبة الصخرة مع حجر مشارب المياه في الوسط، حيث كان هناك الهيكلان الأول والثاني. هذه هي معظم مساحة الجبل، وهي الأولى في قدسيتها للشعب اليهودي”، على حد زعمه.
حرب دينية
في هذا السياق، يرى المحامي المختص في شؤون القدس والأقصى خالد زبارقة أن مشروع القانون بمثابة إشعال الشرارة الأولى لحرب دينية؛ كون “الأقصى عقيدة” للمسلمين في كل أنحاء العالم، وهو مكان مقدس وإسلامي خالص، ولا تنافس في هذا المكان وقدسيته للمسلمين أي قدسية أخرى، وسيبقى للمسلمين حتى قيام الساعة.
وأكد زبارقة للجزيرة نت أن أي ادعاء وطعن بشأن قدسية الأقصى بالنسبة للمسلمين وحقهم المقدس في جميع ساحات الحرم، يعد شن حرب دينية، مشيرا إلى أن هذا القانون أحد تجليات الحرب الدينية التي يقودها اليمين الإسرائيلي والصهيونية الدينية اليهودية ضد الأقصى.
وأوضح الحقوقي المختص في قضايا القدس والأقصى أن مشروع القانون يعد انتهاكا للقوانين والمواثيق الدولية، التي تعتبر القدس بكاملها محتلة، وتحظر على سلطات الاحتلال إجراء أي تعديلات وتغييرات في المناطق والمواقع التي تتواجد تحت سيادة الاحتلال.
ملفات ساخنة
ولفت زبارقة إلى أن القانون الدولي يقر ويعترف بأن الأقصى وكل المقدسات داخل أسوار القدس القديمة، تحت إشراف ووصاية الأردن، وبالتالي لا توجد لإسرائيل أي سيادة على الأقصى، كما أنه ليس لها أي حق أو أي صلاحية لإحداث أي تغييرات بالقدس.
وشدد على أن الأقصى بكل ساحاته ومساحاته وحتى حائط البراق وقف إسلامي، وعليه فإن مشروع القانون الإسرائيلي لتقسيم الأقصى مكانيا بمثابة اعتداء على ملكية الوقف الإسلامي للمكان وعلى الوصاية الأردنية، ويعد تعديا وانتهاكا صارخا على الحقوق الدينية للمسلمين.
ويعتقد أن إسرائيل تستغل الظروف الدولية والإقليمية وتسعى بكل سياساتها إلى حسم القضايا والملفات الساخنة، بما فيها القدس والأقصى، مؤكدا إنها لن تستطيع حسم قضية الأقصى التي تخص العرب والمسلمين في أنحاء العالم كافة.
تبادل أدوار
الطرح نفسه تبناه رئيس مركز القدس الدولي حسن خاطر، مشيرا إلى أن مشروع القانون سبقته سياسات وممارسات خطيرة جدا، كانت تؤكد أن سلطات الاحتلال ذاهبة باتجاه تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا.
ويعتقد خاطر أن مشروع القانون ليس فكرة خاصة بشخص، بل قاسم مشترك يحظى بإجماع لدى الائتلاف الحاكم، كما أنه يأتي من منطلق تقسيم وتبادل الأدوار لأحزاب اليمين، والشخصيات الدينية والحاخامات، ومنظمات “الهيكل”، وذلك ضمن التنافس المحموم لديهم لتقسيم الأقصى.
وأكد خاطر للجزيرة نت أن مشروع القانون يشكل أخطر مرحلة بالنسبة للمسجد الأقصى، الذي يتعرض في هذه المرحلة لهجمة شرسة غير مسبوقة من قبل الأغلبية العظمى من الأحزاب اليهودية والدينية بإسرائيل.
لعب بالنار
وأوضح خاطر أن أحزاب اليمين الديني ومعسكر اليمين والائتلاف الحاكم تحاول أن تظهر لجمهورها ولناخبيها أنها صاحبة الباع الطويل في نهش الأقصى، وفرض السيادة الاحتلالية في ساحات الحرم، والمضي نحو إقامة “الهيكل” المزعوم.
ويعتقد المتحدث أن تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا لم يعد هدفا يتم تداوله من وراء الكواليس وتحت الطاولة، بل أصبح هدفا معلنا يتم دعمه من خلال الكنيست والقرارات والمشاريع الحكومية الاحتلالية لتهويد القدس القديمة وساحات الحرم القدسي الشريف.
وحذر من تداعيات مشروع القانون الذي وصفه “بلعب خطير بالنار”، قائلا إن إمعان الاحتلال في المساس بالأقصى ومحاولة تقسيمه سيأجج الأوضاع في فلسطين التاريخية وسيشعل كل الساحات، بحيث تندلع الشرارة في فلسطين لتصل الأقطار العربية والإسلامية كافة”.