اندلعت المعارك في جميع نقاط التماس بإقليم ناغورني قره باغ بين القوات الأذربيجانية والأرمينية، عقب إعلان باكو إطلاق عمليات “لمكافحة الإرهاب” أكدت أنها ستمضي فيها حتى النهاية ما لم تسلم التشكيلات المسلحة الأرمينية في الإقليم أسلحتها.
ويمثل إقليم قره باغ -المعترف به دوليا باعتباره جزءا من أراضي أذربيجان- محور صراع بين الأرمن والأذريين منذ الأعوام التي سبقت انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.
وعقب سقوط الاتحاد السوفياتي، غزت أرمينيا الإقليم عام 1993 وأقامت فيه حكما ذاتيا للأرمن، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
وعام 2020، اندلعت حرب واسعة بين البلدين، تمكنت أذربيجان خلالها من استعادة قسم كبير من أراضي الإقليم، لتنتهي الحرب باتفاق لوقف النار، وتعهدت يريفان بالتخلي عن المزيد من أراضي قره باغ.
ووسط مخاوف من تطور القتال إلى حرب ثالثة بالإقليم، تراقب دول الجوار وقوى غربية عدة هذه المستجدات وفق خلفيات ومصالح متشابكة.
ويرتبط التصعيد الحالي بعدم استكمال اتفاق عام 2020، الذي ينتهي بتبادل فتح الممرات البرية بين الجانبين، وهي عبارة عن ممر عبر أراضي أرمينيا بين إقليم ناختشيفان وأذربيجان الأم، وآخر عبر أراضي أذربيجان يربط أرمينيا بعاصمة إقليم قره باغ، والتي لا تزال تحت سيطرة الأرمن.
روسيا
تنتشر قوات روسية على الأرض للفصل بين الطرفين بموجب الإعلاني الثلاثي لقادة موسكو وباكو ويريفان الذي أنهى حرب عام 2020.
وتسيّر قوات حفظ السلام الروسية دوريات منتظمة في ممر لاتشين، وهو الطريق الوحيد الذي يربط قره باغ بالأراضي الأرمينية.
وتسعى موسكو (حليفة يريفان) للحفاظ على نفوذها جنوب القوقاز، وإنهاء واحدة من أقدم بؤر التوتر بالفضاء السوفياتي السابق، وفي “الحديقة الخلفية لروسيا”. ولذلك فقد رعت المسار التفاوضي بين أذربيجان وأرمينيا منذ 2020 من أجل التوصل لاتفاق سلام دائم يقوم على الاعتراف المتبادل بوحدة أراضي كل طرف وسيادته، ومعالجة ملف الممرات.
كما تخشى من محاولات غربية لانتزاع المبادرة منها -في ملف قره باغ- وإعادة بؤر التوتر إلى حديقتها الخلفية.
وتتوجس موسكو من خطوات الحكومة الأرمينية الحالية للتقارب مع الغرب، وقد وصفتها بأنها “إجراءات غير ودية”.
وقد استدعت روسيا في الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري السفير الأرميني لديها لإبلاغه قلقها بشأن تدريبات عسكرية للولايات المتحدة على أراضي بلاده، إضافة إلى زيارة للعاصمة الأوكرانية قامت بها زوجة رئيس الوزراء الأرميني، وقرار يريفان الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
تركيا
تصف موقف أرمينيا بأنه أكبر تهديد للسلام والاستقرار في المنطقة، وتدعم أنقرة مطالب أذربيجان باستعادة جميع أراضي قره باغ.
وإلى جانب الروابط التاريخية والعرقية بين البلدين، فإن أنقرة وباكو تربطهما مصالح إستراتيجية كبيرة تتعلق بخطوط نقل الغاز، ومصالح مرتبطة بكون أذربيجان ممرا مهما لتركيا لنفوذها القديم بالقوقاز وآسيا الوسطى.
وتقول الخارجية التركية -في دفاعها عن العملية العسكرية التي أطلقتها أذربيجان- إن باكو اضطرت لاتخاذ هذه الخطوة لأن مخاوفها “المشروعة” بشأن الوضع على الأرض لم يتم التعامل معها على مدى 3 سنوات تقريبا منذ انتهاء الحرب الأخيرة.
ويرى مراقبون أن قضية فتح الممرات الحدودية التي تطالب بها أذربيجان وتركيا، وتتلكأ فيها أرمينيا وتساندها في ذلك إيران، طغت على الصراع وجهود التطبيع بين أطرافه والتي أعقبت حرب 2020.
وقد أعلنت تركيا في 13 سبتمبر/أيلول الجاري أنها ستبدأ قريبا العمل في ممر زنغزور الواقع على الحدود مع أذربيجان والذي يمر بأرمينيا.
إيران
تقوم طهران بتعزيز وجودها العسكري على الحدود مع أذربيجان وأرمينيا، وتحذر من أن تغيير الحدود في المنطقة “خط أحمر”.
وقد أعربت عن معارضتها التحركات الرامية إلى شق ممر زنغزور، وإغلاق الحدود مع أرمينيا.
وترى طهران أن هذا الممر -الذي يوفر لتركيا وصولا مباشرا إلى آسيا الوسطى- يمثل محاولة لتطويقها والإخلال بالتوازنات القائمة، فضلا عن خشيتها من عرقلة مشاريعها الرامية لتحويل البلد إلى مركز للممرات الدولية.
وفي ضوء التصعيد الأخير، دعت الخارجية الإيرانية أذربيجان وأرمينيا إلى الالتزام باتفاق وقف النار وحل الخلاف بالحوار.
الولايات المتحدة
ازدادت أهمية الدور الأميركي بالوساطة بين أرمينيا وأذربيجان في أعقاب حرب عام 2020، حيث رأت واشنطن فرصة لتقليص النفوذ الروسي بالمنطقة.
وتبدي واشنطن وكذلك الاتحاد الأوروبي اهتماما إستراتيجيا بتأمين ممرات للتجارة والطاقة بين آسيا الوسطى وأوروبا بعيدا عن النفوذ الروسي.
ويرى محللون أن تعزيز العلاقات الأميركية الأذرية قد يساعد واشنطن على مواجهة أي تهديدات لمصالحها بهذه المنطقة جراء التحالف الروسي الإيراني.
وترعى واشنطن مع الاتحاد الأوروبي مسارا تفاوضيا بخلاف الوساطة الروسية، كان من ثماره اعتراف رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان في مايو/أيار الماضي بإقليم قره باغ جزءا من أراضي أذربيجان.