في مقال نشرته له صحيفة معاريف، تناول الكاتب الإسرائيلي البارز بن كسبيت الحالة المتدهورة التي وصلت إليها إسرائيل بعد مرور عام على أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مؤكدا أن هذا التدهور لم ينتهِ بعد، وأن “هذا العام حوّل الجميع في إسرائيل إلى أسر ثكلى”.
وبعد أن سمّى تلك الأحداث بمسماها الفلسطيني طوفان الأقصى، يستعرض بن كسبيت المشهد الذي خيم على إسرائيل، مؤكدا أن الإسرائيليين يذرفون هذا العام أنهارا وبحارا من الدموع، في حين لا تزال مآقيهم تختزن المزيد.
ويرى الكاتب أن المأساة لا تقتصر على عشرات الآلاف من الأسر التي تأثرت بشكل مباشر بأحداث الطوفان، بل إن جميع الإسرائيليين يعيشون في حالة من الألم المستمر، وتحاصرهم الأسئلة عن المستقبل.
ويستعرض الكاتب الإسرائيلي بعض القصص التي نجمت عن طوفان الأقصى، مثل قصة انتحار ناجية إسرائيلية تدعى شيريل جولان في عيد ميلادها الـ22، ويقول “ما زلنا نكتشف آلاما لم نكن نعرفها وكوارث جديدة كل يوم”.
ويسلط بن كسبيت الضوء على قضية غياب المحاسبة الحقيقية بعد مرور عام على هجوم المقاومة الفلسطينية، ويعبر عن دهشته من عدم تشكيل لجنة تحقيق حكومية حتى الآن للتحقيق في فشل الأنظمة المتعددة التي أدت إلى ذلك.
تحذير من الغطرسة
ويقول “من الصعب تصديق أنه بعد مرور عام على هذه الكارثة، لم يتم بعد إنشاء لجنة تحقيق حكومية”. ويضيف “من الصعب تصديق أنه بعد عام من الدمار، لا يزال سكان الجليل الأعلى وغلاف غزة في منازلهم المدمرة، ولا تزال المناطق المحيطة بغزة مهجورة”.
ويعتبر بن كسبيت أن هذا الفشل -المقرون باستمرار أسر 101 إسرائيلي لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)- هو نتيجة لتخلي الحكومة عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها، رغم أن “أساس وجودها هو حمايتهم” وفق تعبيره.
فيما يتعلق بالوضع العسكري، يشير الكاتب الإسرائيلي إلى أن الجيش الإسرائيلي، الذي كان يعاني من إرهاق كبير خلال العام الماضي، شهد تحسنا ملحوظا في الأسابيع الأخيرة.
ورغم أنه يعترف بأن “الردع الإسرائيلي الشهير، تحطم في 7 أكتوبر”، فإنه يتجاهل استمرار إلحاق المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خسائر فادحة بجيش الاحتلال، ويردد مزاعم جيش الاحتلال بأنه تم تدمير معظم البنية العسكرية لحماس، والقضاء على العديد من قياداتها.
ويحذر بن كسبيت إسرائيل من الغطرسة والرضا الزائد عن النفس، خصوصا فيما يتعلق بحزب الله، الذي يشير إلى أنه “أصيب، ولكنه لم ينكسر، ولم تُحسم الكلمة الأخيرة بعد” في هذا الصراع.
تناقض وانقسام داخلي
من ناحية أخرى، ينتقد الكاتب بشدة سياسة الحكومة الإسرائيلية التي تهدف إلى تمرير قانون التجنيد الذي سماه “قانون المراوغة”، الذي يسمح بتهرب قطاع كبير من الإسرائيليين (الحريديم) من الخدمة العسكرية، في وقت يعاني فيه الجيش من نقص في القوى العاملة.
ويبين بن كسبيت أن “الحكومة تعتزم إدامة التهرب من الخدمة لقطاع يضم أكثر من مليون شخص، وهو عار على نطاق تاريخي، لأن القوة النظامية منهكة، وجنود الاحتياط مستنزفون بعد أداء مئات الأيام من الخدمة”.
كما أن أحد أبرز الجوانب التي يناقشها الكاتب في مقاله هو الانقسام العميق في المجتمع الإسرائيلي، حيث يصف بن كسبيت كيف أن هناك فئة من الإسرائيليين يعيشون في حالة من النشوة، مقتنعين بأن ما حدث هو بداية النصر.
ويرى في هذا الصدد أن “من الصعب تصديق أنه بعد عام من اليوم الأكثر لعنة في تاريخ إسرائيل، هناك مجموعة كبيرة من الإسرائيليين يعتقدون أن هذه معجزة ويشكرون بنيامين نتنياهو على كل ما حدث”.
ويسفّه الكاتب أوهام هذه الفئة التي تعتقد بأن الوضع الراهن يمثل فرصة لإعادة التوطين في غزة والبؤر الاستيطانية في جنوب لبنان، ويرى أن “تسمم السلطة، والغطرسة التي قادت البلاد إلى هذه الكارثة لم يتم القضاء عليهما بعد، بل إنها تتزايد وتدفع بالبلاد نحو مزيد من الانقسامات”.
في ختام مقاله، يحذر بن كسبيت من أن الخطر الأكبر الذي يواجه إسرائيل ليس من أعدائها الخارجيين، بل من داخلها.
ويقول “لا يوجد من يستطيع هزيمتنا غير أنفسنا”، معبرا عن خشيته من أن “الانقسامات العميقة وعدم معالجة التحديات الداخلية قد تؤدي في النهاية إلى انهيار المجتمع الإسرائيلي”.