طوت الأيام صحائف الرئيس السنغالي ماكي سال وزوجته مريم فاي، في الحكم، حيث سيغادران قريبا القصر الرئاسي ليحل فيه رجل آخر، وسيدة أخرى، ويبدو أن بصيرو ديوماي فاي الذي يشترك مع زوجة الرئيس المنتهية ولايته في الاسم العائلي بات -وفقا لنتائج أولية مؤقتة- الاسم الأكثر قربا من القصر الرئاسي في السنغال، من بين أكثر من17 سعوا جاهدين إلى هذا المنصب السامي في بلاد “الاستثناء الديمقراطي” في أفريقيا.
ينتمي بصيرو إلى الشباب، فهو من أصغر المرشحين للرئاسيات في بلاده، ولا يتجاوز عمره 44 سنة، منها واحدة قضاها وراء القضبان، في سجن “كاب مانوال” بالعاصمة السنغالية، داكار، قبل أن يخرج بعد مضي ستة أيام من الحملة الانتخابية إثر عفو عام أصدره الرئيس ماكي في سياق محاولة تهدئة المشهد السياسي بالتزامن مع انتهاء ولايته.
ومن بوابة السجن خرج فاي إلى الميدان، ليدرك 10 أيام من الحملة الانتخابية، لم تكن في حقيقتها إلا جزءا محدودا من حملة انتخابية طويلة لصالح فاي وحلفه الانتخابي، حيث أسهمت الأزمة السياسية والملاحقات القضائية وقرارات الرئيس صال الأخيرة بتأجيل الانتخابات وما أثارته من استياء داخل أوساط سنغالية عديدة في الدعاية لهذا المرشح الخارج لتوه من تجربة نضالية امتدت لثلاث سنوات وانتهت بإيداعه السجن، ليتسلق بعد ذلك المراتب العليا في النتائج المعلن عنها في الانتخابات لحد الآن، باعتباره المرشح الأوفر حظا، أو الرئيس الخامس للسنغال وفق أنصاره.
ينتمي فاي إلى منطقة امبور (غرب السنغال)، وتحديدا إلى قرية ندياجانياو الزراعية، وبين الحقول والرياض عاش الفتى جزءا من طفولته ومراهقته، قبل أن يحصل على الثانوية العامة (الباكالوريا) سنة 2000، ولم يخف الفتى امتعاضه من النتيجة التي حصل عليها في امتحان الباكالوريا، فقد كان يعتقد أنه نال بقلمه مرتبة الشرف الأولى، ولم يكن راضيا عن مجرد النجاح في امتحان ظل على الدوام يمثل عقبة كأداء في العادة أمام أعداد كبيرة من طلاب الثانوية في البلاد.
كان يومها في العشرين من عمره، أما العشرون الأخرى، فقد توزعت بين الدراسة في جامعة الشيخ آنتا جوب (كبرى الجامعات السنغالية) التي نال منها شهادة الماجستير في القانون، قبل أن ينجح في امتحان القبول بالمدرسة الوطنية للإدارة، قبل أن يتخرج فيها مفتشا في الضرائب، ومن هناك انفتحت للرجل بوابة أفق سياسي، بدأ بعلاقة صداقة وطيدة مع رفيق دربه و”مرشده” السياسي عثمان سونكو.
يشترك الطرفان في العمل موظفين ساميين في إدارة الضرائب، كما اشتركا أيضا في العمل السياسي، وفي تأسيس حزب “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة” المعروف اختصارا بـ”باستيف”، وتقاسما النضال والصراع مع نظام الرئيس ماكي سال.
كان سونكو في الواجهة أكثر من بصيرو، لكن الأخير كان يحظى بشيء من معية اسمه، حيث يرى فيه قادة الحزب الذي يتولى أمانته العامة، رجلا هادئا محاورا بقوة، عنيدا في الدفاع عن أفكاره، ملتزما بالقرارات التي تصدر بأغلبية الأصوات حتى ولو خالفت رأيه.
وإلى جانب التكوين الفني والمشترك السياسي، فإن بصيرو وسونكو قد اشتركا أيضا في صالة الألعاب الرياضية، لتتعدد القواسم المشتركة بين رجلين أراد أحدهما الرئاسة وسعى لها سعيها، فيما ساقتها الأقدار إلى آخر، قذف به حزبه في آخر لحظة بعد أن اتضح أن ترشح المعارض الشهير عثمان سونكو، بات مناط الثريا بسبب الأحكام القضائية التي رمت به خلف القضبان.
بصيرو.. حكيم باستيف وصانع تمدده بالخارج
في إبريل/نيسان من العام الماضي، نال بصيرو حكما بالسجن بتهمة ازداء المحكمة وإهانة القضاء، ليدخل السجن مع نخبة من قيادات باستيف، ذلك الحزب الذي دخله أول مرة خلال الاجتماعات التأسيسية لحزب باستيف في العام 2014، قبل أن يترقى تدريجيا وبشكل متسارع، ليكون أحد صانعي القرار الأساسيين في الحزب، والذراع القوي لرئيسه عثمان سونكو.
تولى بصيرو، الأمانة العامة للحزب -الذي تم الذي تم حله في يوليو/تموز في 2023- مع ملف السنغاليين في الخارج، ومكنت جولاته المتعددة في أوربا بشكل خاص من حشد التأييد والدعم السياسي والمالي للحزب الذي استطاع في فترة وجيزة، أن يستحوذ على نصيب الأسد من دعم الجماهير الشبابية في بلاده.
يمكن القول إن تحالف سونكو وبصيرو، والوجوه الشابة المحيطة بهم، استطاعت بقوة أن تعيد تنظيم غضب المجتمع السنغالي جراء ارتفاع الأسعار، وتدني فرص التشغيل، واختلال سياسات التوازن الاقتصادي وفق ما يرى خصوم الرئيس المنتهية مأموريتاه في السلطة.
متدين في قصر علماني عريق
يصنف بصيرو ضمن مؤشرات التحولات السياسية في السنغال، حيث يعتقد الكثيرون أنه وظهيره عثمان سونكو، جزءا من الظاهرة الإسلامية التي تتمدد في السنغال.
يبدو بصيرو بمظهر إسلامي عبر لحية طويلة نسبيا مقارنة ببقية منافسيه للرئاسيات، ولدعم واسع من التيارات الإسلامية الجديدة التي كانت تراهن على هذا الشاب بديلا عن أنظمة وقوى سياسية عريقة في العلمانية.
ويقدم الخطاب السياسي لبصيرو كثيرا من الأدبيات الشائعة لدى الأوساط الشبابية السنغالية، وخصوصا التذمر المتصاعد تجاه سيطرة فرنسا، حيث أعلن في حملته عن برنامج إصلاح نقدي من شأنه إنهاء سيطرة الفرنك الأفريقي ذي الأصول والاعتماد الفرنسي، وإقامة عملة سنغالية خاصة، إذا لم تتمكن دول غرب إفريقيا من إصدار عملة موحدة.
ولا تبدو الفرنسية لغة أثيرة عند سونكو، الذي يتوعدها بتعزيز حضور ضرتها الإنجليزية، ذات النفوذ والتأثير العالمي الكبير.
وضمن وعيده المتصاعد، يحمل بصيرو على عاتقه فكرة تطهير “الطبقة السياسية من خلال إبعاد المفسدين من السلطة واستعادة “سيادة السنغال” وفق تعبيره.
كما أن وعيد بصيرو بمراجعة اتفاقيات الدفاع، تعني أيضا رسالة أخرى تجاه فرنسا بأن حاكم دكار الجديد لن يظل معتمدا على الزناد الفرنسي، بل سيسعى إلى تنويع مقتنيات جعبته وعلاقاته الأمنية والسياسية.
اتفاقيات الغاز.. وعيد متجدد تجاه موريتانيا
على خطى سونكو، يتوعد المرشح الرئاسي فاي بمراجعات نوعية وفعالة للعديد من الاتفاقيات التي تربط السنغال بالعالم من حولها، وخصوصا فيما يتعلق بالمناجم والتعدين والمحروقات، زيادة على اتفاقيات الدفاع.
وتبدو موريتانيا الجهة المعنية بأكثر بوعيد فاي، خصوصا ما يتعلق بمراجعة اتفاقيات الغاز المشترك بين البلدين، وهو المطلب الذي طالما كرره رئيس حزب باستيف عثمان سونكو الذي يرى أن رؤساء السنغال تنازلوا لموريتانيا عن أراض ومصالح سنغالية متعددة حسب ما تداولته وسائل إعلام
وبشأن خاص فإن الغاز المشترك بين البلدين، حيث يرى سونكو -وفقا لتصريح متداول- أن أغلبية الحقل المشترك تقع في الأراضي السنغالية، وأن القسمة الحالية ليست عادلة بين شعبين أحدهما 14 مليون نسمة، والثاني ثلاثة ملايين ونصف حسب قوله.
ولا يبدو أن تهديدات سونكو المرشح الأبرز لشغل منصب الوزير الأول أو نائب الرئيس في حكم صديقه فاي -إن فاز فعلا- تثير مخاوف عديدة في نواكشوط، لكنها ليست براعة استهلال في العلاقة بين الجارين الذين جربا من قبل الحرب والسلام والتوتر والوداد.
وضمن ملفات ما بعد التنصيب سيجد الرجل نفسه أمام أزمات أكبر مما تصور، وإمكانيات أضعاف ما كان يملك، ومن بين تلك الملفات المتعددة، تدبير العيش بين زوجتين في القصر الرئاسي، في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ السنغالي المفعم بالتعدد والتعددية.