بدعم من اليمين المتطرف الإسرائيلي، تتطور الجمعيات اليهودية ذات الدعوة المسيحانية في إسرائيل، فما جذور هذا التيار المؤسس لأيديولوجية الصهيونية الدينية في إسرائيل؟
والمسيحانية أو المسيانية هي عبارة عن معتقد الشعب اليهودي الذي يؤمن بيشوع (الاسم العبري ليسوع) باعتباره المسيح (المسيا) الموعود والمنقذ والمخلص في الكتب العبرية المقدسة، والذي سوف يأتي في آخر العالم ليخلص شعبه إسرائيل.
سؤال حاولت صحيفة “لاكروا” (ومعناها الصليب) الفرنسية الإجابة عنه، مستهلة تحقيقها بالقول إن الصباح الباكر ليوم 7 فبراير/شباط الحالي شهد توجّه حوالي 15 يهوديا إلى البلدة القديمة في القدس “للصلاة” في باحة المسجد الأقصى، حيث يعتقدون (وهو ما لا تنفيه الصحيفة) أن المسلمين إنما بنوا ثالث أقدس موقع لهم (المسجد الأقصى) في المكان نفسه الذي كان يوجد فيه “معبد القدس القديم، أقدس مكان لليهود”، في إشارة إلى ما يسميه اليهود “جبل الهيكل”.
وتضيف لاكروا أن الشرطة الإسرائيلية ترافق المجموعة لمواجهة الاشتباكات المحتملة مع الفلسطينيين، مشيرة إلى أن السبب في ذلك وجيه، حسب اعتقادها، إذ إن الزيارات المنتظمة لهؤلاء اليهود تنتهك الوضع الراهن الهش الذي تم التوصل إليه في عام 1967، والذي يمنح غير المسلمين ساعات زيارة محددة ويمنعهم من الصلاة في باحة المسجد الأقصى.
كما أن وجود هذه المجموعة الصغيرة في الباحة المذكورة يتحدى قواعد الحاخامية الكبرى في إسرائيل، والتي لا تسمح لليهود بالاقتراب من “قدس الأقداس” في “جبل الهيكل”، وفقا للاكروا.
لكن جمعية “هار هبايت” (“جبل الهيكل” بالعبرية) تنظم هذه الرحلات ذهابا وإيابا ولا تأبه بهذه الاعتبارات، لأن أعضاءها يعتقدون أن المطالبة بهذا المكان المقدس هي السبيل لبناء الهيكل الثالث الذي سيؤدي لا محالة إلى تسريع ظهور المسيح، حسب زعمهم.
وليست هار هبايت وحدها التي تعمل على “تسريع مجيء المسيح”، فمنذ ضم البلدة القديمة في القدس عام 1967، أدى الفكر المسيحاني للحاخام أبراهام يتسحاق ها كوهين كوك، المعروف باسم راف كوك، إلى تأجيج إنشاء العديد من الجمعيات.
وهكذا، يعمل معهد الهيكل منذ عام 1987 على إعادة بناء الأغاني والتقاليد والأواني المفقودة بعد تدمير الهيكل الثاني من قبل الرومان عام 70 بعد الميلاد، في حين انصب اهتمام جمعية “بونه إسرائيل” (بناء إسرائيل) على استيراد البقرات الحُمر من ولاية تكساس، وهي التي يزعمون أن “التضحية بها ضرورية لكهنة الهيكل الثالث المستقبلي”.
ورغم أن هذه الجمعيات لا تزال أقلية، فإنها تشهد تطورا كبيرا نتيجة لتمويل الشبكات المسيحية الإنجيلية الأميركية، كما أنها تتلقى دعما رئيسيا منذ عامين من مؤيدي الصهيونية الدينية داخل حكومة بنيامين نتنياهو.
“في التقليد اليهودي، يتم تحقيق المسيحانية على مرحلتين”، كما تقول روبرتا كولو موران الباحثة في أنثروبولوجيا المجتمعات اليهودية المعاصرة في المعهد الكاثوليكي في باريس.
أولا، “تجمع الشتات اليهودي على أرض إسرائيل”، أي فيما يسمونها “الأراضي التوراتية”، وثانيا، بناء الهيكل الثالث في القدس.
ومع ذلك، لا يزال ثمة خلاف في الأوساط اليهودية، إذ هل يجب أن يتم إنهاء التشتت بواسطة البشر أم بواسطة الرب؟
في هذه النقطة، تختلف الدوائر الحسيدية الأرثوذكسية عن المبادئ الصهيونية في القرنين التاسع عشر والعشرين، إذ يرون أنه إذا كان على اليهود أن يعودوا إلى إسرائيل، فليس من حق البشر أن يتدخل في ذلك.
والحسيدية أو الحاسيديم هي حركة دينية اجتماعية يهودية نشأت في القرن السابع عشر، وتشتهر بمحافظتها الدينية وعزلتها الاجتماعية، ويلتزم أعضاؤها بشكل وثيق بكل من الممارسة اليهودية والأرثوذكسية.