أثار التقارب السريع بين روسيا وكوريا الشمالية ذهول ممثلي النخبة السياسية لدول الكتلة الجديدة التي تضم الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية.
وفي تقريره الذي نشره موقع “المركز الروسي الإستراتيجي للثقافات”، يقول الكاتب الروسي أناتولي كوشكين إن تعزيز التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية غير موجّه بشكل مباشر ضد دول ثالثة. وبناء على ذلك، يتعيّن على كل من واشنطن وطوكيو وسول إدراك أن محاولتهم تهديد كوريا الشمالية وروسيا والصين يمثل محرك تطور الأحداث.
ويضيف الكاتب أن عواصم هذا التحالف درست خيار التعاون العسكري الفني بين موسكو وبيونغ يانغ، مدركةً أن العقوبات الصارمة التي فرضها الأنجلوساكسونيون وحلفاؤهم ليست ضد كوريا الشمالية بقدر ما هي ضد شعبها، ولا يمكن أن تكون أبدية في ظل عالم سريع التغيير.
خلال الاجتماع الودي والمفاوضات المطوّلة التي جمعت بين الرئيس الروسي فلادمير بوتين ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، حُلت مسألة انسحاب روسيا الفعلي من نظام العقوبات ضد الشعب الكوري الشمالي، الخطوة التي مهدت لإعلان اتجاه توسيع التفاعل في مختلف القطاعات.
في المقابل، بات أعداء روسيا وكوريا الشمالية على بينة بهذه التطورات، مما دفعهم للتعليق على التغيير الكبير الذي طرأ على الوضع العسكري السياسي في شمالي شرقي آسيا، والذي يؤثر بشكل خطير على توازن القوى في المنطقة.
بيان ثلاثي
عقب مشاورات جمعت بين هيرويوكي نامازو الدبلوماسي الياباني المكلّف بشؤون آسيا وأوقيانيا، والممثل الخاص الأميركي لشؤون كوريا الشمالية سونغ كيمو، والممثل الخاص لكوريا الجنوبية لشؤون السلام والأمن بشبه الجزيرة الكورية كيم غون، أعلنت وزارة الخارجية اليابانية أن التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية يقض مضجع اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، مشيرةً إلى التداعيات السلبية لهذه الخطوة على السلام والاستقرار في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادي.
وأضافت الوزارة في بيانها “تبادل الأطراف وجهات النظر حول الوضع الحالي في كوريا الشمالية، بما في ذلك القمة الأخيرة بين روسيا وكوريا الشمالية. وفيما يتعلق بهذه القمة، أعربوا عن قلقهم من أن التعاون المستقبلي بين روسيا وكوريا الشمالية ينتهك قرارات مجلس الأمن الدولي التي تحظر تماما نقل الأسلحة والمواد ذات الصلة من كوريا الشمالية وإليها”.
في الوقت نفسه، رفعت الدول الثلاث مستوى الالتزام بالمعايير المزدوجة إلى قائمة “القواعد” التي وضعتها واشنطن، والتي بموجبها يعتزم الأميركيون وحلفاؤهم الاستمرار في “قيادة العالم”، مما يعني إمكانية التعاون بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية عسكريا، وتهديد البلدان التي يسمونها أعداء. وقد انضمت دول مجموعة السبع إلى “إدانة” القمة الروسية الكورية، ودعم جميع تعليمات واشنطن باعتبارها موالية لها.
بعد مفاوضات وزراء خارجية مجموعة السبع التي عقدت في نيويورك كجزء من الجلسة العامة للأمم المتحدة، أدلت وزيرة خارجية اليابان الجديدة يوكو كاميكاوا، التي ترأست الاجتماع، ببيان نيابة عن المشاركين جاء فيه “يدين أعضاء مجموعة السبع بشدة توسيع برنامج الصواريخ النووية غير القانوني لكوريا الشمالية وتصرفاتها المزعزعة للاستقرار. وقد أعربوا عن مخاوفهم من أن التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية يمكن أن يؤدي إلى انتهاك قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة وتقويض السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادي وخارجها”.
المعايير الغربية “المزدوجة”
تتجلى “المعايير المزدوجة” للغرب في حقيقة تزويد حلف شمال الأطلسي (ناتو) واليابان وكوريا الجنوبية وحلفاء آخرين لواشنطن نظامَ كييف بأحدث الأسلحة الفتاكة والذخيرة، بما في ذلك الأسلحة العنقودية المحظورة، وإثارة ضجة عالمية حول عمليات التسليم الافتراضية إلى روسيا من مصانع كوريا الشمالية لإنتاج قذائف للمدفعية.
وأفاد الكاتب بأن السلطات اليابانية التي لاحظت نقص الذخيرة في الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى، رأت أنه من الضروري زيادة الإنتاج وتجميع ترساناتها من الذخيرة.
وتعتزم وزارة الدفاع اليابانية بناء 130 مستودع ذخيرة جديدا في 9 منشآت عسكرية برية “لقوات الدفاع الذاتي”، إلى جانب امتلاك 1400 مستودع في كل من المحافظات الجنوبية مثل أوكيناوا وكاجوشيما وفي جزيرة هوكايدو الشمالية على الحدود مع روسيا.
ونقلا عن وكالة الأنباء “كيودو تسوشين”، تتطلع وزارة الدفاع إلى تعزيز القدرة على القيام بعمليات قتالية طويلة الأمد من خلال زيادة مواقع تخزين الذخيرة، بما في ذلك الصواريخ البعيدة المدى التي يمكن استخدامها للانتقام من قواعد العدو.
وذكر الكاتب أن واضعي الوثائق الرئيسية حول الإستراتيجية العسكرية اليابانية، التي تم تبنيها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أتاحت في البداية شنّ ضربات صاروخية وقائية على قواعد العدو، ولكن بسبب انتقادات عامة الناس والمعارضة، وضعوا في “إستراتيجية ضمان الأمن القومي” و”إستراتيجية الدفاع” عبارة امتلاك قدرات انتقامية للضرب، مما يعني تدمير المواقع العسكرية للعدو. ومع ذلك، فإن فرصة كسب المواجهة العسكرية بين الدول المشاركة في “الاتفاق الثلاثي” والقوات المشتركة لروسيا والصين وكوريا الشمالية تبدو ضئيلة.
لهذه الأسباب تلجأ طوكيو إلى الحلول الدبلوماسية، إذ طلب رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في العديد من المناسبات الاجتماع شخصيا مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في أي وقت لإجراء محادثات، وقد تكون هذه الرغبة مدفوعة بالتقارب بين موسكو وبيونغ يانغ.
وفي الحقيقة، إن التعليمات الخاصة من دول مجموعة السبع بالاعتراف بسياسة “الصين الواحدة”، وعدم وجود تغييرات في موقف الدول الأعضاء في المجموعة بشأن هذه القضية، تعكس عدم الرغبة في تفاقم العلاقات مع الخصوم المحتملين.
وقد ورد في البيان الصادر عن وزارة الخارجية اليابانية أن أعضاء مجموعة السبع أكدوا مجددًا “أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان باعتباره ضامنًا لأمن وازدهار المجتمع الدولي. ولم يطرأ أي تغيير على الموقف الأساسي لأعضاء مجموعة السبع بشأن تايوان، بما في ذلك سياسة الصين الواحدة”.