في منطقة لوار أتلانتيك غربي فرنسا تعمل اختصاصيات اجتماعيات -جميعهن تقريبا وقعن ضحايا اعتداءات جنسية في الماضي ويعانين من صدمات عميقة- على الاستماع عبر خط هاتفي مفتوح للضحايا الجدد، وتقديم الدعم للقاصرين الغارقين في الدعارة.
وأوضح موقع “ميديا بارت” الفرنسي في تقرير أن الاختصاصيات تلقين عبر الخط الساخن من القصص اليومية ما تقشعر له الأبدان.
وذكرت الاختصاصية الاجتماعية ليا مسينا (30 عاما) -التي أسست هذه المنصة عام 2022- أن أعداد الضحايا في ارتفاع، وقالت إنهن أبلغن بـ5 حالات جديدة في أسبوع واحد.
وكشف ميديا بارت أن المنصة تلقت آلاف المكالمات من الآباء والمعلمين والاختصاصيين الاجتماعيين وممرضات المدارس، وأحيانا حتى من بعض “الزبائن” الذين يلاحظون أن بعض الفتيات اللائي ولجن المجال لم يبلغن بعد سن 18 سنة القانونية لممارسة البغاء (حسب ما تسمح به قوانين فرنسا)، وهذا ما مكن من تحديد أكثر من 170 حالة من دعارة القاصرين في منطقة لوار أتلانتيك وحدها.
وأكدت ليا مسينا أن الحالات التي يتعاملن معها صادمة، وضربت مثلا لذلك بتصريحات أدلت بها مراهقة مذعورة تبلغ من العمر 13 عاما، حيث قالت إنها “ملزمة بالعودة إلى هناك”، وإنه إذا لم تذهب فسيحبسها مستغلها بقفص في قبو.
الكل معني
وبحسب “ميديا بارت”، فقد كشف بحث قامت به مؤسسة “بروميفرانس” ونشر عام 2022 أن هذه الظاهرة تؤثر بشكل رئيسي على الفتيات بنسبة 93%، وأشار إلى أن كل طفل من اثنين كان ضحية للعنف داخل أسرته، إما عن طريق العنف الجسدي أو زنا المحارم.
كما أن قاصرين آخرين عانوا من إهمال الوالدين وضغوط دينية قوية أو ضغوط من أجل النجاح أو من مضايقات في المدرسة تصل أحيانا إلى نشر صور عارية أو مقاطع فيديو إباحية انتقامية، مثل فتاة اكتشف والداها أنها تمارس الدعارة، وقالت إنها تعرضت للمضايقة بعد نشر صور لها وهي عارية وقالت “الجميع وصفني بالعاهرة وانتهى بي الأمر بفعل ذلك”.
وأشارت ليا مسينا إلى أن “كل الأوساط معنية بهذه الظاهرة، والقاعدة الوحيدة هي أن هؤلاء الأطفال كانوا جميعا ضحايا بالفعل، ولم يعترف بهم على هذا النحو، مما أدى إلى زعزعة ثقتهم في البالغين وجعل تدخلنا أكثر صعوبة”.
قصة مؤلمة
وقدّم التقرير قصة “ف” (14 عاما) لتوضيح ذلك، فقد كانت ضحية للعنف الجسدي والجنسي والنفسي منذ سن السابعة قبل إنقاذها، وما زال التحقيق مستمرا منذ 5 سنوات في جرائم اغتصاب المحارم، وقد التقت مؤخرا برجل يبلغ من العمر 20 عاما كان “يطلب منها ممارسة الجنس مع رجال مقابل المال”، وقالت إن جسدها لم يعد ملكا لها.
وفي الحالات التي تم تحديدها -كما يقول التقرير- يبدو أن 6 من كل 10 قاصرين ضحايا لمنظومة وساطة في الدعارة، وأن 4% يدخلون هذا العالم تحت إكراه آبائهم، في حين أن 29% يسيطر عليهم أصدقاء، و20% هم ضحايا الاتجار، ومعظمهم من الأولاد، و32% يستجيبون للطلب من “عاشقيهم” الذين يفرضون عليهم باسم الحب أفعالا جنسية مع عملاء يتم تقديمهم أيضا على أنهم “أصدقاء”.
شبكة حماية
ويقول هؤلاء الشباب إنهم لا يثقون بأحد، لأن كل شخص بالغ بالنسبة إليهم هو معتد محتمل، ويقول طفل آخر عمره 13 عاما إنه كان ضحية للبغاء لأول مرة من “عملاء يأتون في سيارات كليو أو تسلا وبعضهم متزوجون، والجميع عملاء، والدك أو والدتك أو أخوك أو صديقك”.
ومع ذلك “لا قاصر يتصل ويقول أنا في خطر، أحتاج إلى المساعدة” كما تقول ليا مسينا، وفي حال الاتصال فإن ذلك يكون غالبا بسبب شخص آخر أو يتعلق بقضايا الصحة الجنسية كالإجهاض ومنع الحمل مثلا.
تحرك سريع
وتهدف منظومة العمل التي أقامتها ليا مسينا إلى العمل بسرعة لإنشاء شبكة حماية للطفل، حيث تقدم عند المكالمة الأولى تشخيصا سريعا يتعلق بوجود خطر وشيك من عدمه، وهل أبلغ المدعي عن الحالة، ثم تقدير ما هو موجود من عناصر الخطر للإبلاغ عن الحالة.
ويتم تبادل المعطيات مع المهنيين المعنيين بالوضع، لأن واحدا من كل طفلين يخضع لتدابير الحماية من قبل الإدارة عبر خدمات “المساعدة الاجتماعية للطفولة”، خاصة أن المعلمين المتخصصين على دراية بعلامات دخول نظام الدعارة.
وعندما يتم استيفاء الشروط تلتقي الاختصاصية الاجتماعية ليا مسينا بالمراهقة وتقدم لها ما تحتاج إليه دون إكراه، وبذلك تحقق منظومة العمل هذه توازنا بين الحاجة الملحة للدعم وتجاوز إخفاقات خدمات “المساعدة الاجتماعية للطفولة”، وبين بطء تحقيقات الشرطة وعجز العدالة التي تفتقر بشدة إلى الموارد.