يقضي معظم الرؤساء الإيرانيين الجدد عادة أشهرا للتكيف مع إيقاع عقود من التصعيد النووي التدريجي، والهجمات ضد الخصوم، والمحادثات مع الغرب لتخفيف العقوبات، أما الرئيس مسعود بزشكيان فلم يكن لديه سوى 10 ساعات بين أدائه اليمين والانفجار الذي أدى إلى مقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وهو في ضيافته.
بهذه المقدمة افتتحت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا مشتركا بين ديفيد سانغر وفرناز فاسيحي استعرضا فيه خيارات إيران للرد الانتقامي على اغتيال هنية الذي وصفاه بأنه فشل أمني كبير للحكومة الإيرانية، و”عمل وقح” في يوم احتضن فيه الرئيس الإيراني الجديد هنية واجتمع فيه مع المرشد الأعلى علي خامنئي.
والآن -تقول الصحيفة- سوف ينغمس بزشكيان الذي أمضى أول يوم له في منصبه في اجتماعات الأمن القومي، إلى جانب آية الله علي خامنئي وكبار الجنرالات العسكريين في خيارات حاسمة، على أساسها قد تندلع الحرب بين اثنين من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط.
وبالفعل، أصدر المرشد خامنئي الذي يقع على عاتقه القرار النهائي الأمر للقوات الإيرانية بضرب إسرائيل بشكل مباشر لما بدا أنها صاحبة الدور في قتل هنية، ولكن الكيفية التي سوف تتكشف بها هذه العملية الانتقامية ستشكل فارقا كبيرا.
الخيار الأخطر
وتحدثت الصحيفة عن اكتفاء إيران بهجمات صاروخية مباشرة كما حاولت في أبريل/نيسان، وقالت إن دورة الضربة والضربة المضادة قد تتصاعد بسهولة. ولكن إذا كثف حزب الله هجماته على شمال إسرائيل أو وسّع الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر، فقد تمتد الحرب إلى لبنان، أو تزداد الحاجة إلى قوات أميركية للحفاظ على الممرات البحرية مفتوحة.
ووراء كل هذه الخيارات -كما ترى الصحيفة- يكمن الخيار الأكثر خطورة على الإطلاق، وهو أن تقرر إيران اتخاذ الخطوة الأخيرة نحو بناء سلاح نووي حقيقي، بعد أن كانت تتوقف كل مرة قبل خط النهاية، عقب إنتاج الوقود النووي وتخصيبه عند مستويات قريبة من مستوى القنبلة.
ومؤخرا، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في منتدى أسبن للأمن إن الإيرانيين “بدلا من أن يكونوا على بعد عام من امتلاك القدرة على إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصنع سلاح نووي، هم على بعد أسبوع أو أسبوعين على الأرجح”.
وذكّرت الصحيفة بأن إيران كانت منخرطة في مفاوضات غير مباشرة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في عامي 2021 و2022، وبدا أنهما قريبان من إحياء نسخة من الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، ولكن تلك الجهود انهارت.
وعلى افتراض أن اغتيال هنية كان من تدبير عملاء استخبارات إسرائيليين، وهو ما لم تؤكده إسرائيل كما لم تنفه، فإن الهجوم كان مصمما ليكون أكثر من مجرد ضربة ضد زعيم كبير في حماس، فقد كان بمنزلة “إذلال للحكومة الإيرانية، وتذكير بمدى عمق اختراق الإسرائيليين لأجهزة الأمن الإيرانية، ومن ثم فإن “إغراءات الانتقام واضحة”، على حد تعبير نيويورك تايمز.
تحد كبير
ونقلت نيويورك تايمز عن علي أكبر بهمانش -وهو سياسي بارز وزعيم حملة مسعود بزشكيان- قوله إن “هذا الهجوم يعدّ صفعة كبيرة على وجه مكانة إيران في المنطقة. لقد أذلّ بلادنا وقوّض أجهزتنا الأمنية بالكامل، وأظهر أن لدينا ثغرات خطيرة في الاستخبارات”.
وكما أشار أحد كبار المسؤولين الأميركيين يوم الأربعاء، كان بوسع الإسرائيليين أن يقتلوا هنية، أحد المحاورين الرئيسيين في صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى التي تبدو الآن معرضة للخطر مرة أخرى، في أي مكان في الشرق الأوسط، ولكنهم اختاروا أن يفعلوا ذلك في إيران أثناء حفل التنصيب، ليذكّروا قادة إيران الجدد بأنهم أيضا في متناول أيديهم.
ويبدو أن قياس الاستجابة الصحيحة، دون دفع البلاد إلى حرب مدمرة، ليس أسهل على الرئيس الجديد مما كان عليه لدى القادة السابقين منذ الثورة الإيرانية، وسيفرض عليه أزمة كبرى من أول يوم له في منصبه، خاصة أنه وعد بإعادة التوازن إلى العلاقات الخارجية لإيران وتخفيف العقوبات.
ومع أن بزشكيان قد يرى الهجوم ضربة شخصية له وقال “سنجعل النظام الإرهابي المحتل يندم على تصرفه” -كما تقول الصحيفة- فإنه من غير المنطقي أن الرجل الذي انتُخِب لتخفيف التوتر الاجتماعي والترويج لبرنامج تحرير القواعد الاجتماعية بشأن ارتداء الحجاب واستخدام الإنترنت، سيكون له أيضا تأثير على الحرس الثوري الإسلامي.