اتفق محللون على أن العمليات العسكرية التي بدأها جيش الاحتلال قبل أيام في شمال قطاع غزة تهدف إلى إخلاء المنطقة وإعادة احتلالها والاستيطان فيها، فيما يبدو تنفيذا لما أطلق عليه إعلاميا “خطة الجنرالات”، إلا أن خبيرا عسكريا رأى أن ما يجري حتى الآن عبارة عن قصف عشوائي لا يتبع أي خطة.
وكثف الجيش الإسرائيلي مجددا عملياته البرية والجوية في شمال غزة حيث قامت قواته بتطويق مدينة جباليا وبعض المناطق المحيطة بها.
واستمر القصف المكثف وإغلاق الطرق اليوم الأربعاء مما حال دون وصول المساعدات، وفق ما أعلن جهاز الدفاع المدني في القطاع الفلسطيني المحاصر.
والهدف المعلن لجيش الاحتلال هو تدمير “القدرات العملانية” لحماس بعدما تحدث عن مؤشرات تدل على أن الحركة تعيد تجميع قواتها فيها بعد قصف ومعارك متواصلة منذ سنة، ولذلك طلب من السكان إخلاء المنطقة.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن محللين قولهم إن الجيش الإسرائيلي يهدف إلى فرض حصار كامل على جباليا إلى حين استسلام مقاتلي حماس.
ماذا يفعل الجيش في شمال غزة؟
وطوق جيش الاحتلال مدينة جباليا الواقعة في شمال غزة منذ الأحد وكذلك أحياء مجاورة لها. وقال الجيش إن الوحدة 162 التابعة له تقوم بعمليات مشيرا إلى معارك في الأحياء ومصادرة أسلحة.
وأعلن الدفاع المدني في غزة أن المنطقة تعرضت لضربات جوية في الأيام الماضية أدت الى استشهاد عشرات الأشخاص. فيما أعلن جيش الاحتلال أنه قتل 20 مقاتلا على الأقل.
بينما قالت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس وفصائل المقاومة إن عناصرها يستهدفون الجنود الإسرائيليين والدبابات ويشتبكون مع قوات الاحتلال خاصة بمخيم جباليا.
وأصدر متحدث باسم جيش الاحتلال الاثنين تحذيرا على وسائل التواصل الاجتماعي وحض سكان بلدات بيت لاهيا وجباليا وبيت حانون في شمال غزة وأحياء أخرى على إخلائها والانتقال إلى جنوب غزة. وكتب بالعربية قائلا إن القوات الإسرائيلية تقوم حاليا بعمليات مكثفة في المنطقة.
وأصدرت وزارة الصحة في غزة أمس الثلاثاء نداء للمجموعة الدولية لإرسال الوقود خشية أن “تتوقف كل المستشفيات عن تقديم الخدمات بسبب نقص الوقود”.
وقال طارق دعنا، المتخصص في السياسة الفلسطينية في معهد الدوحة للدراسات العليا، إنه في حين فر بعض المدنيين من الشمال منذ بدء العملية، فضّل كثيرون البقاء لعدم وجود بدائل آمنة.
وأضاف “رغم الدمار الواسع النطاق للبنية التحتية والنقص الحاد في الغذاء والمياه والأدوية والوقود، بقي مئات الآلاف رغم أن العديد اضطروا للانتقال إلى الجنوب”.
ما الخطة الإسرائيلية؟
وأكد العميد في الاحتياط أمير أفيفي مؤسس منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي أنه “رغم أنه لم يتم إجبار أحد على الانتقال في غزة”، وفق زعمه، فقد أشار إلى أن أولئك الذين سيبقون، معرضون لخطر كبير.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إنه “إذا فضل مدنيون البقاء وسط منطقة حرب فإنه أمر خطير”. لكن على المدى البعيد، قال “لست متأكدا من أن السيطرة الكاملة ستكون واقعية”.
وتشير خطة لغزة وضعها اللواء المتقاعد غيورا إيلاند وأُطلق عليها إعلاميا “خطة الجنرالات” إلى أن إجلاء المدنيين قد يتبعه حصار محكم بحيث لا يدخل شيء إلى المنطقة حتى يستسلم المقاتلون.
وتم الكشف عن “خطة الجنرالات” مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وتقضي بتهجير جميع الفلسطينيين من شمال القطاع ضمن مهلة تستمر أسبوعا قبل فرض حصار على المنطقة ووضع المقاتلين الفلسطينيين فيها بين خيار الموت أو الاستسلام.
ورغم أن الخطة ليست السياسة الرسمية للجيش وفق ما يعلن، يشير محللون إلى أن فكرة فرض حصار كامل لشمال غزة تكتسب زخما.
وقال أفيفي “أعتقد أن ما سنراه في المناطق التي تم إخلاء المواطنين منها إلى الجنوب هو أن الجيش الإسرائيلي سيكون قادرا على فرض حصار على المنطقة”. وأضاف أن الحصار سيشمل “التأكد من عدم وصول أي مساعدات إنسانية إلى هذه المنطقة”، لإجبار المقاتلين على الاستسلام.
ويخشى دعنا، أن تفسح عمليات الإخلاء المجال أمام نزوح دائم وفقدان أراض. وقال “يبدو أن إسرائيل تهدف إلى إحداث تغييرات ديموغرافية طويلة الأجل من خلال النزوح لاستعمار غزة بالكامل”.
من جهته يقول عوفر شيلح، مدير برنامج في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إن إسرائيل لديها خياران بشأن غزة لمرحلة ما بعد الحرب.
وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية “إما أن نتحرك في تحالف، تحالف شرق أوسطي تدعمه الولايات المتحدة، أو أن ننتقل إلى وضع تسيطر فيه إسرائيل على شمال غزة وربما قطاع غزة بأكمله”.
ماذا بقي من حماس في الشمال؟
ورغم أن الجيش الإسرائيلي كان ينفّذ عمليات في شمال قطاع غزة، فإن تركيزه الرئيسي في الأشهر الماضية كان على جنوب القطاع.
وسمح هذا لحماس بإعادة بناء قدراتها العسكرية في الشمال، والتي يقول الجيش إنه يستهدفها الآن.
وقال شيلح “الآن يتعين علينا العودة لأن حماس تزداد قوة هناك، لكن الأمر يشبه إفراغ برميل مفتوح من الطرف الآخر”، وفق تعبيره.
ويرى أفيفي أن “وحدات حماس تقلصت إلى مجموعات صغيرة معزولة في الشمال”، وهو ما يخالف ما أكدته تقارير إعلامية غربية بأن مقاتلي المقاومة قادرون على إعادة تشكيل صفوفهم فور انسحاب قوات الاحتلال من المناطق التي تقدمت فيها.
خطة عشوائية
بدوره، قال الخبير العسكري الأردني قاصد أحمد، إن ما يفعله الجيش الإسرائيلي بشمال غزة “قصف عشوائي” وليس “خطة جنرالات” كما تزعم تقارير إعلامية.
وأوضح أحمد، الفريق المتقاعد والنائب الأسبق لقائد الجيش الأردني، للأناضول، أن “الإبادة الإسرائيلية التي تجري في شمال غزة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين إلى منطقة المواصي غير الآمنة في جنوب غزة، في إطار مشروع صهيوني كبير”، وفق تعبيره.
وأضاف أن الجيش الإسرائيلي يريد تقسيم قطاع غزة وتقطيعه بأسلوب يسهّل عليه عملياته العسكرية به، و”المراد بالوقت الحالي هو إخلاء شمال غزة كليا، أو بوجود عدد قليل للسكان”.
وأكد الفريق الأردني المتقاعد أن “الواقع يؤكد فشل إسرائيل عسكريا، وما يؤكد ذلك هو تمسك الغزيين بأرضهم ورفضهم للمغادرة منها، رغم ما يتعرضون له من عدوان”.
وأوضح أن “إسرائيل تعمل باتجاه ضغط عسكري على المقاومة من جهة، وعلى السكان من جهة أخرى، فهي تبحث عن إقامة نظام حكم في غزة بلا مقاومة، دون دفع الثمن، وهو ما لن يحدث أو متعذر لعدم وجود أطراف تنوب عنها في ذلك”.
ولفت الخبير العسكري إلى أن “المشروع الصهيوني يهدف إلى إخلاء غزة بشكل كامل، وما يحدث حاليا إبادة بقصد التهجير نحو المواصي، كمرحلة أولى”.
وشدد قاصد على أن “ما يجري هو قصف عشوائي وليس خططا عسكرية، والهدف منه استهداف الناس لإجبارهم على النزوح والتهجير”.
وتأتي هذه العملية العسكرية الإسرائيلية في الشمال بالتزامن مع مرور عام كامل من إطلاق إسرائيل، بدعم أميركي، حرب إبادة جماعية في غزة، أسفرت عن أكثر من 139 ألف قتيل وجريح فلسطيني، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل مجازرها بغزة متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية.