يثير إعلان إسرائيل الحرب رسميا، واستدعاؤها نحو 360 ألفا من جنود الاحتياط بجيشها، أسئلة عديدة عن مدى قدرتها على خوض حرب طويلة الأمد دون أن يتعرض اقتصادها ومرافقها الخدمية لأضرار جمّة.
ذلك بأن جنود الاحتياط يعملون في قطاعات مدنية مختلفة، صناعية وزراعية وخدمية، ومن شأن انقطاعهم عن العمل مدة طويلة الإضرار بالقطاعات التي يعملون فيها.
ويمثل جيش الاحتياط نحو 65% من إجمالي أفراد الجيش الإسرائيلي، وفق مركز القدس للدراسات السياسية.
ويعكس هذا العدد الكبير من جنود الاحتياط هاجس الأمن القومي الإسرائيلي الذي بموجبه تسعى إسرائيل إلى أن تكون أمة مسلّحة، مما يعني أن المدنيين الإسرائيليين القادرين على حمل السلاح من الجنسين ملزمون بالمشاركة في الحرب إذا تطلب الأمر ذلك، ولا يستثنى من ذلك سوى المتدينين.
ويُستدعى الرجال المؤهلون في جيش الاحتياط للخدمة مرة في السنة، ولمدة تبلغ نحو 26 يوما بالنسبة للجنود و24 يوما للضباط، وفق مدير برنامج دراسات الأمن الوطني بجامعة حيفا الإسرائيلية جبرائيل بن دور.
لمن يحشد نتنياهو هذا الجيش؟
تقوم عقيدة الجيش الإسرائيلي على نظرية “أمة تحت السلاح” التي تقتضي إلزامية التجنيد العام للرجال والنساء مع بعض الاستثناءات. فإسرائيل التي يبلغ عدد سكانها 8.9 ملايين نسمة، تخشى تفوق جيرانها العرب من حيث عدد السكان، وبالتالي الجيوش، فعدد سكان مصر مثلا يتجاوز 105 ملايين نسمة.
لذلك تعمد دولة الاحتلال الإسرائيلي لاستدعاء كل مواطنيها القادرين على حمل السلاح لتعويض النقص في عدد السكان والقدرات البشرية.
ووفق موقع غلوبال فاير باور الأميركي، فإن عدد القوات الإسرائيلية العاملة يبلغ 173 ألف عسكري، في حين يبلغ عدد قوات الاحتياط 465 ألف عسكري.
وهذا يعني أن تل أبيب استدعت نحو ثلاثة أرباع قوات الاحتياط في جيشها لمواجهة قطاع غزة التي لا يتجاوز عدد سكانه 2.2 مليون نسمة.
وإذا أضفنا هذا الرقم إلى عدد الجنود من غير الاحتياط، نرى أن إسرائيل حشدت ما يربو على نصف مليون جندي لقتال كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة القاومة الإسلامية (حماس)، الذين تشير بعض التقديرات إلى أن عددهم عند التعبئة للحرب يتراوح بين 20 و50 ألف مقاتل.
وهذه الأرقام تعكس عدم التوازن الهائل في القوة بين الجيش الإسرائيلي وكتائب القسام من حيث العدد، ناهيك عن السلاح والعتاد كمّا ونوعا، حيث تملك تل أبيب السلاح النووي، ويعد جيشها ضمن أقوى جيوش المنطقة.
وقد يتساءل المرء عن السبب الذي دفع إسرائيل لاستدعاء هذا الكم من جنود الاحتياط لمواجهة قوة أصغر من جيشها عددا وعدة.
والجواب هو ما أشارت إليه بعض التقارير والتحليلات بأن تل أبيب التي تلقت ضربة أصابت هيبتها في مقتل، وبددت صورتها كقوة ردع لا يشق لها غبار، تحتاج إلى أن تسترد هيبتها ومكانتها كقوة ردع إقليمية. وهذا ما يفسر الاستخدام المفرط للقوة الذي أظهرته في غاراتها المستمرة ضد قطاع غزة.
كم تستمر الحرب؟
يتحدث مسؤولون إسرائيليون عن حرب قد تدوم أسابيع، مما يشير إلى أنهم لن يكتفوا بتطهير مستوطنات غلاف غزة من مقاتلي كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، بل قد يُقدمون على اجتياح بري للقطاع المحاصر، لكن الاجتياح البري -إن حدث- قد لا يعني أن تل أبيب تنوي البقاء في القطاع، فالمرجح أن تنسحب قوات الاحتلال بعد انتهاء المواجهة مع حماس.
ووفق هذا السيناريو، فقد تستمر الحرب بضعة أسابيع، وذلك قياسا على بعض الحروب الإسرائيلية السابقة على غزة ولبنان، ففي عام 2014 استمرت حرب الاحتلال على القطاع 50 يوما، في حين استمرت حربه على لبنان في عام 2006 نحو 34 يوما.
حرب مختلفة
يرى محللون أن هذه الحرب تختلف عن سابقاتها من الحروب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والمنطقة، فهذه المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل الحرب رسميا منذ نصف قرن.
وهناك تصريحات عديدة تعكس رغبة إسرائيل في تهجير سكان قطاع غزة واحتلاله، والقضاء على حماس وجناحها العسكري وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي.
بيد أن هذا السيناريو يتطلب اجتياحا بريا وخوض حرب مدن، خاصة أن نظرية الحروب التي تحسم جوا أثبتت فشلها في جنوبي لبنان وفي غزة خلال الـ20 عاما الماضية.
فقدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود أكبر من قدرة جيش الاحتلال على الصمود، ففي الحروب البرية التي خاضتها إسرائيل ضد غزة انتهت باضطرارها للانسحاب تحت ضربات المقاومة الموجعة، وحساسية جيش وشعب الاحتلال للخسائر البشرية، والتفاوض مع حماس حول تبادل الأسرى.
لذلك، فمحاولة الجيش الإسرائيلي التوغل داخل مدن وأحياء غزة من شأنه رفع التكلفة البشرية للحرب وإطالة زمنها، لأنه سيضع قواته ومدرعاته في مدى أسلحة مقاتلي المقاومة الفلسطينية، مما يلغي التفوق التكنولوجي للجيش الإسرائيلي، ويجعل القتال من مسافة صفر.
وحتى وإن تمكن الجيش الإسرائيلي من احتلال كامل قطاع غزة، فإن قدرته على البقاء في القطاع لمدة طويلة محل شك.
لذلك فإن أمد الحرب يرتبط بمدى قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود وما ستلحقه بالاحتلال من خسائر،
كما ترتبط أيضا بمدة قدرة تل أبيب على تحقيق أهدافها، وعلى الضغط الدولي الذي قد يحدث لإجبار الجيش الإسرائيلي على وقف مجازره في غزة.