يزيد احتمال أن تضطر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى وقف خدماتها بنهاية فبراير/شباط الجاري حالة اليأس في مخيمات اللاجئين في أنحاء المنطقة حيث مثلت الوكالة شريان حياة للملايين لفترة طويلة.
ويثير هذا الاحتمال أيضا قلقا في دول عربية تستضيف لاجئين ولا تملك الموارد اللازمة لسد الفجوة وتخشى أن يؤدي أي وقف لخدمات الوكالة إلى زعزعة الاستقرار بشكل كبير.
وتعيش الأونروا، التي تقدم الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الخدمات، أزمة كبيرة منذ أن قالت إسرائيل إن 12 من موظفي الوكالة البالغ عددهم 13 ألفا في غزة شاركوا في الهجوم الذي قادته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي مما تسبب في دفع مانحين لتعليق تمويل الوكالة.
وتأمل الأونروا أن يراجع هؤلاء المانحون قرارهم بمجرد نشر تقرير أولي حول هذه المزاعم في الأسابيع القليلة المقبلة.
حق العودة
وتتجاوز أهمية الأونروا بالنسبة للفلسطينيين مجرد الحصول على الخدمات الحيوية، فهم ينظرون إلى وجودها على أنه يرتبط بالحفاظ على حقوقهم كلاجئين وخصوصا أملهم في العودة إلى ديارهم التي طردوا منها هم أو أسلافهم خلال الحرب التي صاحبت قيام إسرائيل على أرض فلسطين عام 1948.
وفي مخيم برج البراجنة على مشارف بيروت، قالت رغدة العربجي (44 عاما) إنها تعتمد على الأونروا في تعليم اثنين من أطفالها وتغطية الفواتير الطبية لطفل ثالث يعاني من مشكلة في العين.
وأضافت “عندي مثلا ولدان بالمدرسة. أنا لا بادفع كتب ما بادفع قرطاسية وما بادفع رسم تسجيل وقسط مدرسة ما بادفع. وباستفيد من الأونروا كطبابة… هلا (الآن) إذا ما فيه أونروا هذا كله أنا ما باقدر عليه أعمله”.
وأضافت أن الوكالة دفعت أيضا تكاليف علاج السرطان لزوجها الراحل الذي توفي قبل 5 أشهر.
وقالت رغدة إن برج البراجنة، وهو عبارة عن منطقة سكنية مكونة من مبان يرثى لها وشوارع ضيقة، يعتمد على الأونروا بطرق شتى تشمل برامج تقدم 20 دولارا يوميا للعمال، وهو دخل مهم للاجئين الممنوعين من الحصول على العديد من الوظائف في لبنان.
ووصفت الوضع الصعب الذي يعيشه الفلسطينيون في لبنان قائلة “احنا ميتين واحنا عايشين”. وناشدت المانحين لمواصلة تمويل الوكالة “ما تقتلوا فينا الأمل، أنا في أشياء كتير باشوفها صعبة صعبة”.
كما عبّر موسى إبراهيم ديراوي، وهو لاجئ في برج البراجنة، عن خوفه على الأطفال الفلسطينيين إذا اضطرت مدارس الأونروا إلى إغلاق أبوابها. وأضاف “انت عم بتساعد بتجهيل جيل كامل. لما انت ما قادر تحط ابنك بمدرسة، بدك تتركه بالشارع، الشارع شو بيربي؟”.
خدمات أونروا
وتأسست الأونروا عام 1949 لتقديم الخدمات الحيوية للاجئين الفلسطينيين، وتقدم حاليا خدماتها لنحو 5.9 ملايين فلسطيني في جميع أنحاء المنطقة. كما يلتحق بمدارسها أكثر من نصف مليون طفل، وتستقبل عياداتها أكثر من 7 ملايين زيارة كل عام بحسب موقعها الإلكتروني.
وقالت جولييت توما، مديرة التواصل بالوكالة، إن “الدور الذي لعبته الأونروا في حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين أساسي”.
وأكدت الأونروا أنه إذا صحت الاتهامات الموجهة لموظفيها الـ12، فإنها تمثل “خيانة” لقيم الأمم المتحدة والأشخاص الذين تخدمهم.
وتريد إسرائيل وقف عمل الأونروا؛ حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 31 يناير/كانون الثاني الماضي إنه “يجب أن نستبدل بالأونروا وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة ووكالات مساعدات أخرى إذا أردنا حل مشكلة غزة حسبما نخطط”.
وفي الأردن، نظم فلسطينيون احتجاجات ضد أي خطوة من هذا القبيل. ورُفعت لافتات خلال احتجاج في الثاني من فبراير/شباط الجاري في عمّان عليها شعار “تدمير الأونروا لن يمر.. نعم لحق العودة”.
وقال حلمي عقل، وهو لاجئ ولد في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين على بعد 20 كيلومترا شمالي عمّان، إن بطاقته التموينية لدى الوكالة “تثبت أني وأولادي لاجئون.. تحفظ حقي”.
وضع كارثي
ولطالما أيدت دول عربية تستضيف اللاجئين الفلسطينيين حقهم في العودة رافضة أي اقتراح بضرورة إعادة توطينهم في البلدان التي فروا إليها عام 1948.
وتقدر الأونروا عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان بما يصل إلى 250 ألف لاجئ.
وقال هيكتور حجار، وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، إن قرارات دول مانحة بتعليق المساعدات للوكالة “غير عادلة وذات دوافع سياسية وستكون تداعياتها كارثية على الفلسطينيين”.
وأضاف “إذا حدا شاف المخيمات بأي أوضاع، بأوضاع مزرية.. إذا منعنا الفلسطيني شو عم بنقول له يعمل، عم بنقول له يروح إلى الموت أو يروح إلى التطرف”.
وأضاف أن القرار سيزعزع استقرار اللبنانيين وكذلك الفلسطينيين واللاجئين الفارين من الحرب في سوريا المجاورة.
مخاوف قائمة
وفي الأردن، سلطت أزمة الأونروا الضوء على المخاوف القائمة منذ زمن طويل. ويستضيف الأردن نحو مليوني لاجئ فلسطيني مسجل يحمل معظمهم الجنسية الأردنية.
ويخشى مسؤولون من أن يؤدي أي تحرك لتفكيك الأونروا إلى إضعاف حقهم في العودة مما ينقل العبء إلى الأردن.
وقالت النرويج، وهي إحدى الجهات المانحة التي لم تقطع تمويلها عن الوكالة، إنها متفائلة إلى حد ما بأن بعض البلدان التي أوقفت تمويلها مؤقتا ستستأنفه، مشيرة إلى أن الوضع لا يمكن أن يستمر طويلا.
وقالت الولايات المتحدة إن الأونروا تحتاج إلى إجراء “تغييرات جوهرية” قبل أن تستأنف تقديم التمويل لها.