للموسم الثاني على التوالي، فشل آلاف السودانيين في تلبية النداء والوصول إلى مكة لأداء فريضة الحج، على الرغم من أنهم عقدوا النية، وأعدوا العدة، وذلك بسبب الحرب الدائرة في البلاد، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 من إبريل/نيسان العام الماضي.
وخصصت السلطات السعودية 32 ألف فرصة للحجاج السودانيين هذا العام، لكن لم يتمكن سوى 8 آلاف فقط منهم من الوصول إلى الأراضي المقدسة، وبقيت 24 ألف فرصة حج أخرى شاغرة، حيث حرمت الحرب والظروف الاقتصادية والإنسانية الصعبة الآلاف من أداء شعيرة الحج.
وفي حديثه للجزيرة مباشر قال محمد عصام، أحد المواطنين الذين لم يتمكنوا من السفر للحج، إن المعارك الضارية الدائرة في تخوم مدينة الفاشر الواقعة في إقليم دارفور غربي البلاد، التي يقطنها، منعته من اللحاق بركب الحجاج هذا العام، مضيفا أنه يدعو الله أن يعود الأمان إلى بلاده ليستطيع أداء الفريضة العام المقبل.
وبجانب الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، أسهم التضخم وتدهور قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية في حرمان الكثيرين من الوصول إلى بيت الله الحرام.
وتحدث متوكل أحمد الذي يعيش نازحا في ولاية القضارف شرقي البلاد بحزن كبير، عن أن انخفاض قيمة الجنيه ونهب جل ممتلكاته وأمواله من منزله في العاصمة الخرطوم، حالا دون تحقيق حلمه بأداء الحج هذا العام.
وبعد طرح الفرص الخاصة بالحج هذا العام، لم يتقدم له سوى أقل من 15% من العدد الكلي؛ مما دعا وزارة الشؤون الدينية والأوقاف السودانية إلى تنشيط التقديم الإلكتروني لحجاج الولايات، مع إمكانية سداد الرسوم عبر التطبيقات المصرفية، لكن مع ذلك لم يسجل سوى 8 آلاف شخص، وفق إحصاءات رسمية.
تعقيدات وتحديات
وأكد وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني، أسامة حسن، وجود عقبات كثيرة واجهت الوزارة في القيام بدورها في تسهيل التقديم للراغبين في الحج، أبرزها الحرب واستمرار المعارك.
وقال حسن في تصريح للجزيرة مباشر، إن الحرب ألقت بظلالها على النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية، كما أثرّت في أداء آلاف السودانيين شعيرة الحج هذا العام.
وأشار إلى أن التعقيدات والتحديات طالت الذين وفقهم الله في التقديم للحج، إذ واجه بعض الحجاج مشقة كبيرة في الوصول إلى الأراضي المقدسة، خصوصا حجاج دارفور.
وأوضح أن حجاج دارفور سافروا عبر طريق بري طويل حتى وصلوا إلى ولاية نهر النيل شمالي السودان، ثم إلى مدينة سواكن شرقي السودان ومنها إلى السعودية، كاشفًا عن تعرض بعض الحافلات التي نقلت الحجاج لإطلاق نار.
وعزا المسؤول السوداني ارتفاع تكلفة الحج هذا العام إلى ارتفاع معدل التضخم وانخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، ونوّه إلى أن بعض الخدمات التي كانت تقدم مجانا لحجاج السودان أصبحت الآن بمقابل مالي مثل تأشيرة الدخول، وهو ما زاد التكلفة.
وواجه الاقتصاد السوداني تحديات كثيرة منذ اندلاع الحرب، إذ فقدت البلاد أكثر من 80% من إيراداتها العامة، وفق ما أعلنه وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم في وقت سابق.
وأدى 14 ألف شخص من أصل 32 ألف شخصا مناسك الحج في العام الهجري الماضي (1444هـ)، بعد أن تعذر على كثيرين الوصول إلى الأراضي المقدسة بسبب الحرب التي اندلعت قبل أسابيع من بدء الموسم.
وقدرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف السودانية تكلفة الحج للعام الحالي بأكثر من 6 ملايين جنيه في حال السفر بالطيران، وهو ما يعادل حوالي 5.5 آلاف دولار، وأكثر من 5 ملايين جنيه عند السفر بحرًا (نحو 5 آلاف دولار)، وذلك مقابل 3 ملايين جنيه سوداني العام الماضي.
وفقد أكثر من 50% من السودانيين مصادر دخلهم الأساسية، وتحول كثيرون منهم إلى مهن أخرى بعضها لا يتناسب مع طبيعة تخصصهم، وبعضها يندرج في إطار المهن المحدودة الدخل.
وشرّدت الحرب التي دخلت عامها الثاني أكثر من 10 ملايين سوداني من منازلهم في أكبر موجة نزوح ولجوء في العالم، وفق وكالات الأمم المتحدة العاملة في الشأن الإنساني.