9/10/2024–|آخر تحديث: 9/10/202410:08 ص (بتوقيت مكة المكرمة)
ربما لم تُباغت إسرائيل في تاريخها بشكل جدي إلا مرتين يفصل بينهما نصف قرن من الزمان، الأولى بعد ظهر السادس من أكتوبر 1973، والثانية عند فجر السابع من أكتوبر عام 2023.
فمنذ إعلان قيامها على أرض فلسطين عام 1948، بدعم هائل من القوى الغربية الكبرى، وإسرائيل هي الطرف الذي يمتلك غالبا زمام المبادرة، فيفاجئ ويعربد ويحتل ويتمدد.
أما الطرف الآخر الذي شاءت رغبة الدول الكبرى أن تقتطع من أرضه جزءا لإقامة دولة يهودية، وهو العرب ممثلا بالأساس فيما عرف بدول المواجهة فكان نصيبه في الغالب الهزيمة، وفي أحسن الأحوال الحديث عن انتصارات جزئية أو معنوية.
نكبة ثم عدوان ثم نكسة
وإذا بدأنا بالحرب الأولى في مايو 1948 فإن أكبر اختصار لوصفها ووصف نتيجتها هو الإشارة إلى أنها كرست قيام دولة إسرائيل وجعلتها حقيقة على أرض الواقع، بينما اختصر العرب الأمر بوصفها بـ”النكبة” دون تحقيق حقيقي يجيب على سؤال مفاده كيف تذهب أرض فلسطين بهذه السهولة وكيف تخسر كل هذه الدول بجيوشها أمام العصابات الصهيونية؟.
الحرب الكبرى الثانية كانت في عام 1956 حيث بدأت إسرائيل بالهجوم على مصر في 29 أكتوبر/تشرين الأول، وسرعان ما انضمت إليها بريطانيا وفرنسا لتتعرض الدولة العربية الأكبر إلى قصف جوي أدى إلى تدمير قواتها الجوية.
أعقب ذلك عمليات إنزال استهدف العدوان الثلاثي من ورائها احتلال منطقة قناة السويس، لكن تدخل الاتحاد السوفياتي الذي كان قطبا عالميا آنذاك أنقذ الموقف، حيث وجه إنذارا شديد اللهجة إلى إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، دعمته الولايات المتحدة لاحقا بدعوتهم إلى الانسحاب.
أما الحرب الثالثة فكانت في يونيو/حزيران 1967، ودون كثير كلام فإن اسمها المشهور يختصر أمرها حيث وصفها المصريون والعرب بـ”النكسة”.
إسرائيل كانت في جانب، وفي الآخر مصر ومعها سوريا والأردن والعراق، وبمساعدة فنية من لبنان والجزائر والسعودية والكويت، لكن النتيجة كانت احتلال إسرائيل أراضي فلسطينية جديدة تقدر تقريبا بـ3 أضعاف ما احتلته في حرب 1948.
فقد احتلت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية وهما ما كان قد تبقى من أراضي فلسطين، كما احتلت أيضا شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية.
خلت سنوات ما بعد النكسة من الحروب الكبرى، وإن استمر بعض العرب في المواجهة، واحتفوا كثيرا بما فعلوا، سواء ما سمته مصر حرب الاستنزاف أو ما سمته الأردن والفصائل الفلسطينية معركة الكرامة، لكن الحقيقة أن الأمر لم يتجاوز إشارات كأنها تقول إن العرب لم يموتوا وإن المقاومة مستمرة.
وفي 1970 رحل جمال عبد الناصر دون أن يلقي إسرائيل في البحر كما وعد، وخلفه محمد أنور السادات الذي لم يأخذ الناس وعيده لإسرائيل على محمل الجد بالنظر إلى تجربتهم مع سلفه، وما دعّم ذلك لديهم أنه وصف عام 1972 بأنه عام الحسم ثم انتهى العام ولا حسم بل ولا محاولة للحسم.
عبور
هذا الوضع المصري والعربي العام جعل إسرائيل تشعر بالاطمئنان ورسخ ما زرعته النكسة في النفوس من أن دولة الاحتلال تبدو وكأنها قوة لا تقهر، خصوصا والدعم الأميركي يتزايد باضطراد حتى اعتبرها البعض بمثابة الولاية 51 للولايات المتحدة.
وبينما كان الإسرائيليون في سبتهم، جاءتهم المباغتة من الجيش المصري هذه المرة، عندما نفذ قرار الحرب الذي اتخذه الرئيس السادات فعبرت القوات قناة السويس وحطمت خط بارليف المنيع وقضت على أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
ربما كانت أرقام الخسائر لا تشير إلى نصر كبير للجانب العربي بقيادة مصر، لكن مباغتة عدو اعتاد المبادرة وإلحاق الهزيمة بالعرب من نكبة إلى نكسة، كان أمرا فارقا ومحوريا جعل من حرب أكتوبر 1973 حدثا لا يمكن نسيانه.
بعد 50 عاما ويوم واحد أو بعض يوم، جاءت المباغتة الثانية والتي انطلقت من ظروف مشابهة.
فالعدو يواصل تجبره: يواصل حصار غزة وانتهاك المقدسات ويتقدم في مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية وتهويد الأرض، والجديد أنه بات قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع دول عربية بعد لقاءات كثيرة بعضها في السر وبعضها في العلن.
طوفان
ولذلك أصبح التحرك ضروريا مهما كان الثمن، وهو ما اتضح أن المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام خططت له بعناية، كما أنها شرحت أسبابه وملابساته لاحقا في بيان مهم قدمت فيه روايتها.
المسمى كان طوفان الأقصى، أما الواقع فكان هجوما هو الأكبر على إسرائيل منذ عقود، وحصيلة ساعاته الأولى كانت قتل مئات الإسرائيليين بين جنود ومستوطنين فضلا عن أسر أكثر من مئتين آخرين.
ربما كانت المقارنات جائزة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والجيوش العربية التي حاربته في السابق، لكن في حالة طوفان الأقصى كانت هناك دولة مدججة بكل أنواع الأسلحة من طائرات ودبابات وصواريخ ومدفعية فضلا عن دعم من كل القوى الكبرى في العالم تقريبا، وفي المواجهة حركة مقاومة وتحرر لا تمتلك أيا من هذه الأسلحة المتطورة، بل وتفتقد حتى لدعم الأشقاء.
بل أكثر من ذلك، فحتى الشجب والتنديد الذي كان محل سخرية، لم تعد الدول العربية وجامعتها قادرة عليه، بل إن بعض الدول منعت حتى مظاهرات التعاطف مع فلسطين وقوى المقاومة بها.
ومع ذلك كانت المباغتة التي أكدت كما أكد عبور أكتوبر 1973 من قبل، أن إسرائيل ليست كما تروج لنفسها ويروج لها آخرون بأنها دولة لا تقهر، كما تؤكد أن المقاومة هي الحل، حبذا فقط لو نالت دعم الأشقاء ولا نقول الأعداء.